الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان سبب الوضع وبيان الواضع

صفحة 190 - الجزء 1

  واعترض أيضاً: بأنه لو كان كذلك لاحتيج في تعرفها منه أو منهم إلى اصطلاحٍ معروف لمن قصد تعريفه إياها وهم الباقون لاستحالة تعريف المجهول منها بغير طريقة اللفظ فيتسلسل أو يدور.

  قلنا: (ويحصل تعريفها بالإشارة والقرائن) كأن يشير بيده إلى كتاب ويقول لمن قد عرف معنى خذ بقرينةٍ: خذ الكتاب، والقرينة كأن يقول لمن قد عرف معنى خذ ومعنى البيتِ: خذ الكتاب من البيت، وليس في البيت إلا كتاب، فإنه يعلم بذلك معنى هذا اللفظ.

  والحاصل: أنا لا نسلم انحصار طريق استحصال طريق المجهول في اللفظ لم لا يستحصل بغيره من الإشارة والقرائن، على أنه لا يحصل أيضاً تعريف ممن علمه الله سبحانه لمن لم يعلمه إلا بذلك، والإلزام مشترك، ويحل بما ذكرنا، وذلك (كالأطفال) يتعلمون اللغات بترديد الألفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة معنى الإشارة وعينها، وهذا المذهب يسمى مذهب الاصطلاح؛ لكون اللغات على هذا التقدير من اصطلاحات أرباب اللغات.

  (وعند المرتضى وأبي مضر) من الزيديَّة واسمه شريح بن المؤيَّد (والبغداديَّة) من المعتزلة (وأكثر الأشعريَّة) أنها (توقيفية) أي متوقفة على الإعلام منه تعالى للبشر وهو الواضع، أي المخصص لكل مُسمى باسمٍ لقوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}⁣[البقرة: ٣١]، وهو ظاهر في أنَّه الواضِع دون البشر، وكذلك الحروف والأفعال؛ إذ لا قائل بالفصل؛ ولأن التكلم وهو الغرض يعسر بدونها؛ ولأنها أسماء في اللغَة؛ لأنَّ اسم المسمى هو اللَّفظ الدال عليه بالوضَع، والتخصيص بالنوع المقابل للفعل والحرف إنما هو اصطلاح النحاة.

  وقد ينفصل: عن هذه الآية بتأويلها فتارة في التعليم وتارة في الأسماء:

  أمَّا في التعليم فتأويلان:

  أحدهما: أن المراد به الإلهام بأن يضع نحو قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}⁣[الانبياء: ٨٠].

  ثانيهما: علمه ما سبق وضعه من خلقٍ آخر.

  وقد أجيب: بأنه خلاف الظاهر؛ إذ المتبادر من تعريف الأسماء تعريف وضعها لمعانيها، والأصل عدم وضع سابق.

  وأمَّا في الأسماء فقالوا: المراد بها الحقائق بدليل قوله تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ}⁣[البقرة: ٣١]، والضمير للأسماء؛ إذ لم يتقدم غيرَه، فالضمير لا يصلح للأسماء إلا إذا أريد به المسميَات مع تغليب العقلاء.