فصل: في بيان سبب الوضع وبيان الواضع
  وقد أجيب: بأن التعليم للأسماء، والضمير للمسميات وإن لم يتقدم لها ذكر في اللفظ، للقرينَة الدالة عليها.
  ويدل على أن التعليم للأسماء: أنه أضيف الأسماء إلى المسميات في قوله {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣١}[البقرة: ٣١]، {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}[البقرة: ٣٣]، فدل على أن ليس المراد بها المسميات أنفسها، بل الألفاظ الدالة عليها، فلو لا أن التعليم للأسماء لما صح الإلزام للملائكة بها ضرورة، لأن إلزامهم إنما يكون بما لا يعلمونَه مما علمه آدم #، وأيضاً لو لم يكن التعليم لها لم يكن إنباؤه بها؛ لأنه إنما يكون فأعلمه إياه، ولقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ}[الروم: ٢٢]، فالمراد اللغات بالاتفاق؛ إذ لا كثير اختلاف في العضو، إذ بدائع الصنع في غيره أكثر.
  وأجيب: بأن الألسنة وإن كانت مجازاً عن اللغات، لكن كون اختلافها من آيات الله تعالى، لا يدل على أن جهة كونه آية هي توقيف الله تعالى وتعلميها إيانا بعد الوضع، لجواز أن يكون توفيق الله تعالى إيانا لوضعها وإقدارنا على ذلك، فإن الجهتين سواء، بل لا يبعد أن تكون الثانية أولى لكونها أدلَّ على كمال القدرة وبديع الصنع.
  وإذا قيل بأنها توفيقه، فقد قال (الأشعري) وذلك التوقيف (إما بالوحي) إلى آدم، أو إلى نبي ليس برسولٍ على القول بالفرق، وهو الذي أوحي إليه لا لتبليغٍ، والرسول ما أوحي إليه به، فلا يرد عليه الدور الوارد على دليلنا ولا التسلسل، لأن الآية تختص برسول له قوم.
  (أو بعلم ضروري) يوجده الله لواحد أو لجماعة أن هذه الألفاظ وضعت لهذه المعاني، (أو بخلق الأصوات إما بأن يخلق في كل شيء إسماع اسمه أو) يخلق (في بعض الأشياء) إسماع الاسم (له) أي لذلك البعض (ولغيره).
  وقال (أبو علي والأسفرائني القدر المحتاج إليه في التعريف) أي تعريف بعضهم بعضاً ما يتوقف عليه الاصطلاح (توقيف) أي واضعه الله (وغيره محتمل) لها أي لأن يكون واضعه البشر وكونه توقيفاً.
  أمَّا الأوَّل: فلأنه إن لم يكن القدر المحتاج إليه في الاصطلاح بالتوقيف لزم الدور؛ لتوقف الاصطلاح على سبق معرفة ذلك القدر، والمفروض أنه يعرف بالاصطلاح، فيلزم توقفه على سبق الاصطلاح المتوقف على معرفته، وهو الدور.
  قلنا: لا نسلم توقيفه على الاصطلاح، بل يعرف بالترديد والقرائن كالأطفال كما سبق.