[معاني الفاء]
  أجيب: بأن المعنى أردنا إهلاكها، أو بأنها للترتيب الذكري.
  وإن استدل الجرمي: بقول امرئ القيس:
  بسقط اللوي بين الدخول فحومل
  وبقولهم: نزلنا نجداً فتهامة، وقولهم: مطر مكان كذا فكذا، وإن كان وقوع المطر في وقت واحد.
  أجيب: بأنها للترتيب الذكري في النثر، وفي البيت الفاء بمعنى إلى، أي منازل ما بين الدخول إلى حومل إلى توضح إلى المقراة في البيت الثاني، ويجوز أن يكون المعنى: قفا نبك بين منازل الدخول فمنازل حومل فمنازل توضح فمنازل المقراة.
  قالوا: قال:
  يا دار مية بالعلياء فالسند
  قلنا: الفاء فيه لإفادة الترتيب في الذكر، لأنه يذكر في ترتيب الأمكنة الأخص بعد الأعم، فكان العلياء موضع وسيع مشتمل على مواضع منها السند، فهذا كما تقول: داري ببغداد فالكرخ، وقد سبق من أدلتهم غير هذا والجواب عنه.
  وقوله (من غير مهلة) أي في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت مدة متطاولة، ودخلت البصرة فبغداد، إذا لم يقم في البصرة ولا بين البلدين، وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}[الحج: ٦٣]، على أن أول آخر الثاني في الآية متعقباً لما تقدم، فلا ينافي المهلة كون الثاني المرتب يحصل بتمامه في زمان طويل، فإن اخضرار الأرض يبتدي بعد نزول المطر لكن يتم بعد مدة ومهلة، فالفاء نظراً إلى أنه لا فصل: بين نزول المطر وابتداء الإخضرار، ولو قيل مثلاً: ثم تصبح الأرض مخضرة، نظراً إلى تمام الإخضرار، جاز.
  وكذا قوله {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}[المؤمنون: ١٤]، نظراً إلى ابتداء كل طور، ثم قال {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} إما نظراً إلى تمام الطور الأخير، وإما استبعاداً لمرتبة هذا الطور الذي فيه كمال الإنسانية من الأطوار المتقدمة، فهذا التلخيص والتحقيق لا يُبقي لقوله (غالباً) فائدة، إذ احترز به كما في الحواشي عن قوله تعالى {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}[الحج: ٦٣]، ثم ولو قدرنا استقامة ذلك لكان قوله غالباً مغنياً عن قوله (وقد تقع موقع ثم) فتأمل.