فصل [شرح الحروف الكبير]
  وإذا عرفت أنها للتعقيب مطلقاً، فإن عطفت مفرداً على مفرد ففائدتها أن ملابسة المعطوف لمعنى الفعل المنسوب إليه وإلى المعطوف عليه بعد ملابسة المعطوف عليه بلا مهلة، فمعنى قولك: قام زيد فعمرو، حصل قيام عمرو عقيب قيام زيد بلا مهلة.
  وإذا دخلت على الصفات المتتالية كما نبينه والموصوف واحد فالتعقيب ليس في ملابستها لمدلول عاملها كما كان في نحو جاءني زيد فعمرو، بل في مصادر تلك الصفات نحو: جاءني زيد الآكل فالنائم، أي الذي يأكل فينام.
  وإن لم بكن الموصوف واحداً فالتعقيب في تعلق مدلول العامل، كما قيل: يقدم الأقرأ فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن فالأفصح.
  وإن عطفت بها جملة على جملة فقد ذكر حكمها هي وحكمها أيضاً مع عطف صفة على صفة أيضاً بقوله: (وتفيد السببية حيث يعطف بها جملة) نحو {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص: ١٥]، (أو صفة) نحو:
  يا لهف زيابة للحا ... رث الصابح فالغانم فالآيب
  وتفيد في عطف الجملة على الجملة كون المذكور بعدها كلاماً مرتباً في الذكر على ما قبلها، لا أن مضمونه عقيب مضمونها في الزمان، كقوله تعالى {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ٧٢}[الزمر: ٧٢]، وقوله {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ٧٤}[الزمر: ٧٤]، فإن ذم الشيء أو مدحه يصح بعد جري ذكره.
  هذا وقد نص نجم الأئمة على أن فاء العطف كذلك لا تلزمها السببية، بل قد تكون كذلك وقد لا تكون، مثل: الذي جاء فغربت الشمس زيد، على أن في كلام ابن الحاجب في مسألة: الذي يطير فيغضب زيد الذباب ما يشعر بتنافي العاطفة والسببية، لكن الصحيح أنه لا تنافي بين السببية والعاطفة كما مثلناه وذكره المصنف، ولكن لا يلازمها العطف، نحو: إن لقيته فأكرمه، ولا تخلو التي لغير العطف من معنى التعقيب، وهي التي تسمى فاء السببية وتختص بالجمل، وتدخل مع ما هو جزاء مع كلمة الشرط، نحو: إن لقيته فأكرمه، ومن جاءك فأعطه، وبدونها نحو: زيد فاضل فأكرمه، وتعرف بأن يصلح تقدير إذا الشرطية قبل الفاء، وجعل مضمون الكلام السابق شرطاً، لأن المعنى في مثالنا إذا كان كذلك فأكرمه، وهو كثير في القرآن المجيد وغيره، نحو: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} إلى قوله {فَاخْرُجْ مِنْهَا}، أي إذا