الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[معاني ثم]

صفحة 201 - الجزء 1

  قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبان

  وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان

  (وتنفرد) عن الفاء (بالمهلة) فإنها تقتضيها، فإذا قلت: جئت ثم أكرمت زيداً، أفاد حصول الإكرام بعد المجيء وتراخيه عنه بشهادة الإستقراء، وقوله (على الأصح): إشارة إلى ما زعمه الفراء من تخلف المهلة في بعض المواضع، بدليل قولك: أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، لأن ثم في ذلك لتراخي الأخبار ولا تراخي بين الأخبارين، وجعل منه ابن مالك {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}⁣[الأنعام: ١٥٤].

  قلنا: هي لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها، أو أنها مما اكتفي فيه بمجرد ترتب اللفظ.

  (وقد تقع موقع الفاء) نحو قول الشاعر:

  كهز الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب

  إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح تعقبه اضطراب ولم يتراخ عنه.

  قال في حواشي التسهيل⁣(⁣١): والعطف بثم ها هنا من عطف المفصل: على المجمل، لأن جريان الهز في الأنابيب هو اضطراب الهزة، لكن في الإضطراب تفصيل وفي الهزة إجمال، كذا قال.

  وقال الرضي⁣(⁣٢): ولا تعطف المفصل على المجمل كالفاء.

  (و) ثم قد تجيء (في عطف المقدم بالزمان اكتفاء بترتيب اللفظ) نحوك أعطيتك ألفاً ثم ألفاً قبله، وكما استدل به الفراء وكالبيت السابق، إذا لم يتأول بما قدمناه، وبجعل المقصود ترتيب درجات معاني المدح، فابتدأ بسيادته ثم بسيادة أبيه ثم بسيادة جده، لأن سيادة نفسه به أخص ثم سيادة الأب ثم سيادة الجد، وإن كانت سيادة أبيه مقدمة في الزمان على سيادة نفسه، لكن الغرض مما ذكر ترتيب مقالية الأخص فالأخص، فهي كالفاء فيما ذكرناه في فتح آخر العاملين.


(١) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تأليف جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي، العلامة النحوي اللغوي المشهور، توفي سنة (٦٧٢) هـ، صاحب الألفية وغيرها.

(٢) الرضي: هو محمد بن الحسن الأستراباذي، العلامة النحوي المحقق الشهير، صاحب شرح الكافية في النحو، وشرح الشافية في الصرف، كان يميل إلى التشيع، توفي سنة (٦٨٨) هـ.