[معاني بعض الحروف الناصبة]
  (و) الثاني: (لن) وأصلها وأصل لم لا، فأبدلت الألف نوناً في أحدهما وميماً في الآخر، وفيه قولان آخران مثبتان في النحو.
  وهي (لتأكيد النفي في الإستقبال) يعني أنها تقتضي النفي في المستقبل نفياً مؤكداً، ولذلك قال بعضهم: إن نفي التأكيد مكابرة، وقال بعضهم: العرب تنفي المظنون بلن والمشكوك بلا، ذكره ابن الزملكاني في التبيان، وأما إفادتها الإستقبال فلأن السين وسوف لا يجامعانها.
  (وهي) مع إفادتها لتأكيد النفي في الإستقبال (حقيقة في التأبيد، وفاقاً للزمخشري وغيره) كابن عطية(١) من القوم، نص عليه الزمخشري في الأنموذج، وقال في موضع من الكشاف على ما نقله صاحب شرح الجمع: وقولك في شيء: لن أفعله، على وجه التأبيد، كقولك: لا أفعله أبداً، والمعنى أن فعله ينافي حالي، كقوله تعالى {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا}[الحج: ٧٣]، أي خلقه من الأصنام مستحيل مناف لأحوالهم.
  (وخلافاً لابن مالك وغيره) كصاحب المغني(٢) وصاحب الجمع(٣)، فزعموا أنها لا تفيد إلا ما تفيده لا، بل عكس ابن الزملكاني مقالة الزمخشري فقال: إن لن لنفي ما قرب وعدم امتداد النفي، ولا يمتد معها النفي، وسر ذلك: أن الألفاظ مشاكلة للمعاني، ولا آخرها ألف، والألف يمكن معها امتداد الصوت، وهو مكابرة.
  قالوا: لو كانت للتأبيد لما صح {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}[البقرة: ٩٥]، مع قوله {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف: ٧٧]، والتأكيد في خلاف الظاهر.
  قلنا: عدم استفادة التأبيد في الآية من خارج، ونحن لا ننكر تخلفه لدليل، وإذا قد صح تخلفه للدليل مع التصريح بلفظ الأبد فبالأولى مع عدمه.
  وكون التأكيد خلاف الظاهر، غير مسلم، بل هو الظاهر، بشهادة الذوق والإستعمال.
  قالوا: يؤدي إلى التكرار في قوله أبداً.
(١) هو أبو محمد: عبد الحق بن غالب بن تمام بن عطية، من أهل غرناطة، ولد سنة (٤٨١) هـ، وتوفي سنة (٥٤١) هـ، له كتاب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.
(٢) هو ابن هشام: عبد الله بن يوسف الأنصاري، جمال الدين الحنبلي، توفي سنة (٧٦١) هـ.
(٣) هو قاضي القضاة، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي.