فصل: [في معنى الواجب وأقسامه]
  المخير الموسع، فإنه يذم تاركه إذا ترك مع الآخر، وأمَّا الموسع كالظهر مثلاً فهو داخل في الحد فلا يحتاج إلى إدخاله بهذا القيد؛ لأن من لم يأت به في أوَّل الوقت لم يكن تاركاً للواجب إلا على رأي من يجعل وقته أوَّل الوقت.
  واعترض من زاد هذه الزيادة؛ لأنه وإن حافظ على عكسه فلم يخرج من الحد ما هو من المحدود كالكفاية، فقد أخل بطرده، فدخل في الحد ما ليس من المحدود، وهو صلاة النائم والناسي وصوم المسافر فإنه يذم تاركه بتقدير انتفاء العذر.
  وأجيب: بأن وجه ورود هذه المذكورات على الطرد هو أن تاركها يستحق الذم على تقدير عدِّ النوم والنسيان والسفر، فعلى هذا يتوجه أن يقال: المراد بالترك هو الترك الذي يبقى بحاله عند الوجه الذي يلحق به فيه الذم، كما في ترك زيد صلاة الجنازة مثلاً، فإنَّه بحالة من غير تغيير سواء تركها عمداً أو لم يترك، وإنما يقع التغيير في الأمر الخارجي الذي هو ترك عمرو مثلاً، فإنه يتحقق وقد لا يتحقق بخلاف ترك النائم، فإنه على التقدير الذي يلحقه الذم وهو عدم النوم لا يبقى بحاله؛ لأنه لا يكون حينئذ ترك النائم، وكذا في النسيان والسفر فلا يتحقق أنه يذم تاركه على تقدير يتحقق معه هذا الترك.
  يوضحه ما قاله الشريف: أنه إذا ترك واجب فهناك ترك مخصوص وتارك موصوف، فالتارك تارك للواجب بذلك الترك المخصوص، والذم إنما يلحقه بسببه، فإذا قلنا: الواجب ما يذم تاركه، فالمعنى ما يذم تاركه بسبب ذلك الترك الذي هو تارك له به، وتارك الكفاية يذم في الجملة بسبب تركه الذي هو تارك للكفاية بذلك الترك؛ لأن تركه الكفاية ترك واحد لا يتغير في نفسه بإثبات الغير وعدمه، فإذا لم يأت به غيره لحقه الذم بذلك الترك، وإن أتى لم يلحقه، فهناك ترك واحد يلحق بسببه الذم على وجه، فلو لم يقيد الحد بقوله: بوجه ما لتبادر منه العموم إلى الفهم وخرج الكفاية والمخير، فإذا قيد دخلا قطعاً، وأمَّا التارك الذي هو النائم مثلاً فإن تركه في حالِ النوم مغاير لتركه حال عدمه، ولا يلحقه بسبب الترك الأوَّل استحقاق ذم أصلاً، فلا يصدق عليها أنه يذم تاركها لترك آخر وهو الترك الحاصل عند عدم العذر، فعلم أن ترك الكفاية وترك النائم متغايران بالوجه المذكور، أعني التغيير وعدمه، فإذا أريد إدخال أحدهما أعني غير المتغير في تعريف بزيادة قيد يناسبه فقط، لم يرد الآخر أعني المتغير نقضاً على ذلك التعريف بوساطة ذلك القيد الذي لا يناسبه؛ إذ ما عداه آبٍ عن دخوله فيه.