الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في معنى الواجب وأقسامه]

صفحة 237 - الجزء 1

  (واختلف في فرض الكفاية): وهو ما إذا قام به البعض سقط عن البعض كالجهاد، فإن المقصود منه حفظ الدين وإعلائه وحراسة أولياء الله، فإذا حصل من بعضٍ سقط عن الآخرين، ومثل قطع الشُّبَه فإن المقصود منه حراسة القواعد الدينية من أن تنقضها شبه الفرق اللغوية، فمهما حصل من واحد كفى، ومثل هذا غير واجب على الأعيان لما ذكرناه، فلا بد من أن يتعلق وجوبه: إمَّا على الجميع ويسقط بفعل بعضهم، أو يتعلق بالبعض فقط، إذا عرفت هذا:

  (فعند أئمتنا والجمهور أنه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض) والمراد بوجوبه على مذهبنا: أنه واجب على كل واحد.

  وقيل: المراد الجميع من حيث هو؛ إذ لو تعين على كل أحدٍ كان إسقاطه عن الباقين رفعاً للطلب بعد تحققهن فيكون نسخاً فيفتقر إلى خطاب جديد، ولا خطاب ولا نسخ، فلا سقوط بخلاف الإيجاب على الجميع من حيث هوْ، وأنَّه لا يستلزم الإيجاب على كل واحد، ويكون التأثيم للجميع بالذات ولكل واحد بالعرض.

  وأجيب: بأن سقوط الأمر قبل الأداء قد يكون بغير نسخ كانتفاء علة الوجوب كاحترام الميت مثلاً فإنه يحصل بفعل البعض، فلهذا ينسب السقوط إلى فعل البعض، وأيضاً يجوز أن ينصب الشارع أمارة على سقوط الواجب من غير نسخ.

  (وقيل) بل هو واجب (على البعض، ثُمَّ اختلفوا) في ذلك البعض هل هو معين أو مبهم؟

  (فقال الرازي والسبكي) هو (بعض منهم، وقيل:) بعض (معين عند الله، وقيل: من قام به) فهو المكلف.

  لنا: أن الجميع يأثمون إذا تركوه وهذا معنى الوجوب.

  واحتج المخالفون: بأنه يسقط بفعل البعض فلو وجب على الجميع لما سقط عنهم بفعل البعض.

  قلنا: هذا استبعاد، ولا مانع من سقوط الواجب على الجميع بفعل البعض إذا حصل به الغرض، كما يسقط ما في ذمة زيد بأداء عمر عنه.

  والقائلون بأنه بعض منهم تفردوا بأنه كما يجوز الأمر لواحد منهم اتفاقاً يجوز أمر بعض منهم، فإن الذي يصلح مانعاً هو الإبهام، وقد علم إلغاؤه في خصال الكفارة.

  قلنا: إنا نفرق بينهما بأن إثم واحد غير معين، وقد يقال: خلاف المعقول، بخلاف الإثم بواحد غير معين، وقد يقال: إنما يصح لو لم يكن مذهبهم إثم الجميع بسبب ترك البعض.