فصل: [في معنى الواجب وأقسامه]
  قالوا: قال تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}[التوبة: ١٢٢]، وهو صريح في الوجوب على طائفة غير معينة من الفرق.
  قلنا: الظاهر يؤوّل بالدليل فيحمل على غير ظاهره جمعاً بين الأدلة، فإنه أولى من إلغاء دليل بالكليَّة، وقد دل على الوجوب على الجميع، فيؤول هذا بأن فعل الطائفة من الفرق مسقط للوجوب على الجميع.
  وأمَّا قول من قال: أنَّه معين عند الله، فهو فاسد؛ إذ علم المكلف بتكليفه به شرط في التكليف كما ستقف عليه إنشاء الله تعالى.
  وتفرد من قال: بأنه من قام به بسقوطه بفعله.
  قلنا: فهو قبل فعله غير مكلف به؛ إذ لا علم له، وأيضاً إذا لم يقم به أحد فمَن المكلف به؟.
  (ويقع) فرض الكفاية (في أصول الدين) كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحل الشبه (وفروعه) كالأذان والإقامة، وصلاة الجنازة (وتحرم الأجرة عليه إن تعين أداؤه) على الشخص إذ يصير (كالعين) وفروض العين تحرم الأجرة عليها، كالأجرة على تعليم الفاتحة وثلاث آيات، أما إذا لم يتعين أداؤه على الشخص ففي تحريم الأجرة عليه خلاف محله الفروع، ومفهوم كلام المصنف يقضي بأنه لا تحرم الأجرة عليه إذا لم يتعين، ويختار أهل مذهبنا تحريم ذلك، فاستقصاء ذلك محله علم الفروع.
  (وفي تعيينه) أي مصيره فرض عين (بالشروع) فيه (خلاف):
  فاختار الغزالي: عدم التعيين، والفرق أن القصد به حصوله في الجملة، فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه.
  واختار صاحب الجمع(١): تعيينه بجامع الفرضيَّة، وتعلم العلم ليس من هذا على الأصح، فلا يدخل في الخلاف؛ لأن كل مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها، فقد قام قارئ تلك المسألة بالواجب منها ولم يخرج منه.
  (وفرض العين أفضل منه) أي من الكفاية (وفاقاً للجمهور).
(١) هو قاضي القضاة، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، أبو نصر، المتوفى سنة (٧٧١) هـ، وكتابه جمع الجوامع في أصول الفقه.