الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: يتضمن الخلاف في مقدمة الواجب هل تجب بوجوبه أولا؟

صفحة 243 - الجزء 1

  [١] (فإن قيد الوجوب به لفظاً كالاستطاعة في الحجِّ) في قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، (لم يجب إلا عند حصوله) أي حصول ذلك القيد، فوجوبه موقوف على حصول ذلك القيد، فكيف يكون وجوب ذلك القيد تبعاً لوجوب ذلك الأمر.

  نعم، (ولا يجب تحصيله اتفاقاً) لتقييد الوجوب بذلك الشرط، ولا يجب تحصيل الشرط؛ لأن تحصيل الواجب ليجب لا يجب.

  قال الشيخ لطف الله: وفي تسمية المتوقف على غير المقدور وعلى الشرط اللفظي واجباً تَجَوُّزٌ، إذ لا وجوب له أصلاً بدون القدرة والشرط.

  [٢] (وإن أطلق) الوجوب عن التقييد بذلك الأمر، وإن قيد بغيره لجواز أن يكون مقيَّداً بالنسبة إلى مقدمة ومُطلقاً بالنسبة إلى أخرى، حتى أن الزكاة بالنسبة إلى تحصيل النصاب مقيدة فلا يجب، وإلى تعيينه وإقراره مطلق فيجب.

  ثُمَّ لا خلاف في إيجاب الأسباب كالأمر بالقتل أمر بضرب العنق مثلاً، والأمر بالإشباع أمر بالإطعام إنما الخلاف في غيره:

  (فأئمتنا والجمهور) من المعتزلة والأشعريَّة (على وجوب ذلك) أي ما لا يتم الواجب إلا به (بالأمر الذي وجب به الواجب) فغسيل جزء من الرأس مستفاد من قوله تعالى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}⁣[المائدة: ٦]، ونحو ذلك (لأن الأمر بالشيء) الذي هو سبب الوجوب، سواء كان أمراً حقيقة كأقيموا الصلاة، أو خبراً في معنى الأمر كقوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}⁣[آل عمران: ٩٧]، (أمر بمقدماته) التي يتوقف وجوبُه عليها، ولا خفاء في أن هذا الدليل غير النزاع، فلا بد من دلالة عليه، فنقول:

  لنا: أنه لو لم يجب لما وجب التوصل إلى الواجب والتوصل إليه واجب بالإجماع، [وأيضاً فالمعلوم أنا لا نتمكن من الخروج من عهدة الأصل إلا بذلك].

  (وسواء كان ذلك) الذي لا يتم الواجب إلا به (شرطاً عقلياً، كترك كل ضد للواجب) لعدم إمكان الشيء وضده في وقتٍ واحدٍ، ومن ثُمَّ قبح كل ضد للواجب منع من وجوده، ومعنى الأمر وفائدته تدل على ذلك، لا صيغته، وخالف في ذلك بعضهم، وقال: لا يوصف بالقبح، (وفعل ضد المحرم) لما قلنا أولاً، وإنمالم يقيد، وقال: ضد، دون كل ضد وقيد في الأوّل بكل اللفظية، لفائدة وهي أنه يجب ترك كل ضدٍ للواجب بخلاف المحرَّم، فإذا فعل واحد من أضداد كفى.