فصل: يتضمن الخلاف في مقدمة الواجب هل تجب بوجوبه أولا؟
  (أو) كان شرطاً (عادياً كغسل جزء من الرأس) فإن غسل الوجه لا يتم إلا بغسله عادة.
  (أو) كان شرطاً (عادياً شرعياً كالوضوء في الصلاة) فإن الصلاة لا تتم شرعاً إلا بالوضوء.
  (أو) كان ما لا يتم الواجب إلا به (علة كالنار للإحراق) أي كإمساس النار لمحله فإنه علة لإحراقه، فإذا قال أحرق كذا فإنه يكون أمراً بتحصيل النار، هذا فيما لا يتم الفعل إلاَّ به.
  وأمَّا ما لا يتم الترك إلاَّ به: فقال القاضي عبد الله في اللؤلؤ: وما لا يتم الترك إلا به مسائل كثيرة في علم الشريعة لا يمكن ترك القبيح إلا بترك غيره.
  مثال ذلك: ما نقوله: إذا وقع شيء من النجس في ماء قليل فإنه لا يتمكن من اجتناب النجس إلا باجتناب أجزاء الماء التي كانت طاهرة.
  ومن ذلك: إذا التبس إناء طاهر بإناء نجس، فإنا لا نثق بترك استعمال النجس إلا إذا ترك استعمالهما جميعاً.
  وكذلك إذا التبس ثوب طاهر بثوبٍ نجس، أو التبست مطلقة بائناً منه بغيرها، أو ألبست الميتة بالمذكاة إلى غير ذلك مما يكثر. انتهى.
  (وقيل: لا يجب) ذلك الذي لا يتم الواجب إلا به بالأمر الذي وجب به الواجب (فيها) أي في العلَّة (و) في (الشرط مطلقاً) أي سواء كان الشرط شرعياً أو عادياً أو عقلياً، (بل) يجب بغيره أي بغير دليل الواجب (من الأدلَّة الخارجيّة) من عقل أو عادة، لا بالأمر نفسه، والقائل بهذا القول بعض الأصوليين: محتجاً بأن الوجوب لا يثبت إلا بالأمر، والأمر إنما يتناول المأمور به فقط، وما لم يتناوله فلا وجه لوصفه بالوجوب.
  قلنا: اقتضى وجوبه ما قدمنا.
  وقال (الجويني) رواه عنه صاحب الجمع (وابن الحاجب): بل (يجب) الشرط (الشرعي) كالوضوء للصلاة (دون غيره) من الثلاثة الأمور، محتجين بأنه لو لم يجب الشرط بالأمر بالمشروط لم يكن شرطاً؛ إذ بدونه يصدق أنه أتى بجميع ما أمر به، فيجب صحته، وأنه يبقى حقيقة الشرطيَّة.
  وأمَّا أن غيره لا يجب: فلأنه لو استلزم وجوبُ الواجب وجوبه لزم تَعَقُّل الموجِب له، وإلاَّ أدى إلى الأمر بما لا يشعر به، ونحن نقطع بإيجاب الفعل مع الذهول عما يلزمه.
  قلنا: إنما يلزم التعقل في الواجب بالأصالة لاستواء قولك لو لم يجب الشرط بالأمر الخ.