فصل: [في استحالة كون الشيء واجبا وحراما من جهة واحدة]
  يمنعون كون الشيء واجباً حراماً من جهتين عند اتحاد المتعلق، وكلام ابن الحاجب صريح في أن الخلاف في المسألة هذه فيما كان له جهتان، واختار الجواز، وذكر خلاف من هو مع أئمتنا وهو أحمد والظاهريَّة، (فلا تصح) الصلاة (ولا يسقط الطلب) لها وتُقْضَى.
  (ويجوز كونه) أي الواحد (كذلك) أي حراماً حلالاً (من جهتين كالأمر) للعبد مثلاً (بالخياطة والنهي عن) السكون في (مكان مخصوص ثُمَّ) بعد الأمر (فُعِلَتْ) الخياطة (فيه) أي في المكان المنهي عنه، فإن سيد العبد إذا أمر عبده بالخياط ثُمَّ نهاه عن اللبث في المسجد فخاط الثوب فيه فلا شك أنه قد أطاع بالخياطة؛ لأن سيده لم يقيد فعلها بمكان دون مكان، وعصى بدخوله المسجد فهو هاهنا مطيع من وجه عاص من وجه، وظاهر قول المؤلف: (إن كانت الخياطة ليست بغصب للهوى) يشعر بأن هذا المثال على جهةِ الفرض وإلا فهو كالصلاة في الدار المغصوبة دليل ذلك قوله في الحواشي: فظاهر المذهب أنه غصب له فقد اتحد المتعلق، وأما الإمام المهدي # فإنه جعل مسألة الخياطة قسمين: قسم ما ذكرناه كالصلاة في الدار المغصوبة وهو ما إذا قال السيد لعبده لا تخط هذا الثوب في المكان الفلاني ثُمَّ خاطه فيه، فإن المتعلق هنا متحد.
  (ومنه) أي ومن الذي هو حرام حلال من جهتين: (الصلاة في الدار المغصوبة عند الفريقين) الشافعية والحنفيَّة (وجمهور الأشعرية) وصواب العبارة أن يقول: ومما تعدد فيه المتعلق الصلاة في الدار المغصوبة عند هؤلاء لما أسلفناه، فعندهم أن متعلق الأمر الصلاة ومتعلق النهي الغصب، وكل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر، وقد اختار المكلف جمعهما مع إمكان عدمه وذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما اللتين هما متعلقا الأمر والنهي حتَّى لا يبقى حقيقتين مختلفتين فيتحد المتعلق (فتصح) الصلاة عندهم (ويثاب) عليها من جهة الصلاة نحو: إن عوقب من جهة الغضب فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه.
  (وقيل) تصح (ولا يثاب) فاعلها عندهم عقوبة له من جهة الغصب.
  وقال (الباقلاني والرازي: لا تصح) كقولنا، وحجتهم حجتنا (و) لكنهم خالفونا في أنه (يسقط الطلب) بالقضاء، قال الباقلاني: يسقط عنده الطلب وإن كانت معصية، كمن شرب مجنِّنَاً حتَّى جُنَّ، فإنه يسيقط عنه الفرض، فجعلها الباقلاني كالعلامة على السقوط تحصل عندها، لا على ما هو شأن خطاب التكليف من سقوط الطلب بالإتيان بالمأمور به.