فصل: [في استحالة كون الشيء واجبا وحراما من جهة واحدة]
  مكانٍ (مغصوب) توسط فيه بدخوله مختاراً ثُمَّ خرج حال كونه (تائباً فآت بواجب وهو الخروج لأنه مأمور به) أي بالخروج، فلا يكون حالة الخروج عاصياً.
  وقال (الجويني) بل هو مطيع بالخروج (وهو) مع ذلك مرتبك في المعصية لا لأجل خروجه، بل لأنه (مستصحب عنده) أي الخروج (حكم المعصية) فيكون عاصياً (مع أنه مأمور به) لأنه بدخوله ألجأ نفسه إلى التصرف في ملك الغير حال ثبوته، فعليه عقابُ ذلك، إلاَّ لجامع عقاب المعصية فلم يخلص في حال خروجه عن عقوبته بسبب تصرفه، وهي عقوبة إلجائه نفسه في الإبتداء إلى التصرف بالغصب عند التوبة، لآنه عند دخول المكان المغصوب عالم بأنه إذا تاب لم يخلص عند توبته من استعمال المغصوب، فيكون عليه عقاب المعصية قبل التوبة، وعقابُ إلجائه نفسه في الابتداء إلى استعمال المغصوب عند التوبة، فصار في حال خروجه كالعاصي؛ إذ لم يخلص من استعمال الغصب في الخروج، وهو الذي ألجأ نفسه إلى أن لا يمكنه التخلص (وهو) أي قول الجويني (بعيد) إذ لا معصية إلاَّ بفعلٍ منهي عنه أو ترك مأمور به، وقد سلم الجويني انتفاء تعلق النهي به، بل فعل مأموراً به فانتهض الدليل عليه.
  فإن قيل: فيه الجهتان لتعلق الأمر بإفراغ ملك الغير والنهي بالغصب كالخياطة عندنا، وكالصلاة في الدار المغصوبة عند الأشعريَّة سواء.
  قلنا: هو غلط؛ لأنه هنا لا يمكن الامتثال، فيلزم تكليف المحال بخلاف الخياطة، فإنه يمكن الامتثال، وإنما جاء الجمع باختيار العقد المكلف.
  قال سعد الدين: وإنما حكموا بالاشتغال دون الاستحالة؛ لأن الإمام لا يسلم أن دوام المعصية لا يكون إلا بفعلٍ منهي عنه أو ترك مأمور بل ذلك في ابتدائها خاص.
  (وقول أبي هاشم) من دخل أرضاً غاصباً ثُمَّ خرج بيته التوبة فهو عاص (في الأصح مثل قوله) أي الجويني (لا أنه ذهب إلى تحريم الخروج كالوقوف) فإن ذلك تكليف ما لا يطاق، وقد تأولَّه الجويني بمثل ما قاله، قال: ولقد أكثر الأصوليون في تخطئته، والرجل ممن لا يقعقع خلفه بالشنئآن.
  (وتحقيقه) أي تحقيق قولهما (أن أكوان خروجه عندهما يوصف بكونها طاعة، وإن كان بها مأموراً ممتثلاً) وأن (استصحابه لحكم المعصية لتسببه) بدخوله وتصرفه في ملك الغير (إلى ما لا مخلص له منه إلا معها) أي مع أكوان الخروج (وحظ الأصولي في ذلك بيان استحالة تعلق الأمر والنهي معاً