فصل: [في استحالة كون الشيء واجبا وحراما من جهة واحدة]
  بالخروج) فإنه تكليف محال؛ إذ لو تعلقا به لزم التكليف بسلب الحركة والسكون؛ لأن الأمر بالحركة يستلزم سلب السكون، والنهي عنه سلب الحركة، وقد بان استحالة ذلك.
  (ووجوبه أو تحريمه موكول إلى نظر الفقيه) إذ لا بحث للأصولي عن أحوال أفعال المكلفين من حيث الوجوب والحرمة والصحَّة والفساد ونحو ذلك حتَّى يكون عليه إثبات أن الخروج عن الأرض المغصوبة واجب أو حرام، بل بحثه عن أحوال الأدلة والأحكام من حيث إثبات الأدلة والأحكام، وثبوت الأحكام بالأدلة، فعليه أن يبين امتناع تعلق الأمر والنهي بفعلٍ واحدٍ من جهة واحدة كالخروج مثلاً؛ لكونه تكليفاً محالاً هو تجويز الفعل مع عدم تجويزه.
  (وتحير أكثر الفقهاء في) جواب (قول أبي هاشم ما حكم الله على من سقط فوقع في أوسط جماعة جرحى إن استمر عليه) أي الأوسط (قتله وإن انتقل عنه قتل كفؤه) واحترز المصنف بقوله كفوه عن غير الكفو كالكافر، فيجب الانتقال عن المسلم إليه؛ لأن قتله أخف مفسدة (وجزم الجويني بأنها واقعة) أي حادثة (خالية عن حكم الشرع) من أذن أو منع؛ لأن الآذان له في الاستمرار أو الانتقال أو أحدهما يؤدي إلى القتل المحرم، والمنع منهما لا قدرة على انتقاله، قال: مع استمرار عصيانه يبقى ما سبب فيه من الضرر فسقوطه إن كان باختياره وإلا فلا عصيان.
  وسأل الغزالي الجويني فقال له: كيف تقول لا حكم، وأنت ترى أنه لا تخلوا واقعة عن حكم؟، فقال: حكم الله أن لا حكم، فقال له الغزالي: لا أفهم هذا.
  وقال ملوحاً إلى شيخه الجويني: لو جاز أن يقال نفي الحكم حكم لجاز أن يقال: ذلك قبل ورود الشرائع.
  وعلى الجملة جعل نفي الحكم حكم تناقض، فإنه جمع بين النفي والإثبات، إن كان لا يعني به تخيير المكلف بين الفعل والترك، وإن عناه فهو إباحة محققة لا دليل عليها.
  (وقيل: هو مخير) ذكر ذلك الفقيه قاسم في تعليق الجوهر (وهو المختار) لتقابل المفسدتين.
  (وتوقف الغزالي) قال في شرح جمع الجوامع، فقال في المستصفى: يحتمل كل من المقالات الثلاث؛ لأن صاحب الجمع ذكر ثلاثاً، وهي الإستمرار، والتخيير، والخلو عن حكم الشرع، قال: ثُمَّ اختار الثالثة في المتخول - بالمخاء المعجمة -.