فصل: [في المباح]
  وأيضاً فقد عرفت أن هذه الرسوم للأفعال التي تعلقت بها أحكام المكلفين، على هذا فأفعال غير المكلفين كالنائم والساهي ليست من المباح، مع أن الحد صادق عليها، فالحد إذن مانع.
  (ويرادفه) أي المباح (الحلال والمطلق وكذا الجائز) يعني أنها بمعنى واحد، وقد يقال: الحلال ما لا ضرر في فعله، وإن حرم تركه كدم المرتد، (وقد يطلق) الجائز (على غيره) أي غير المباح، فيطلق على:
  [١] ما لا يمتنع عقلاً واجباً كان، أو راجحاً، أو متساوي الطرفين، أو مرجوحاً.
  وشرعاً مباحاً كان، أو واجباً، أو مندوباً، أو مكروهاً.
  [٢] أو على ما استوي فيه الأمران، سواء استويا شرعاً كالمباح وهو ما أذن الشارع في فعله وتركِه، أو عقلاً كفعل الصبي؛ إذ لا منع فيه عن الفعل والترك شرعاً والأذن، ولا خفا أن هذا القسم أعمَّ من المباح، فلا يقال: إنه هو المباح نفسَه.
  [٣] وعلى المشكوك فيه في العقل والشرع والإعتبار وهو استواء الطرفين وعدم الإمتناع، وليس المراد أنه يطلق على ما شك في أنه لا يمتنع عقلاً، أو شك في أنه لا يمتنع شرعاً، أو شك في أنه يستوي الأمران فيه عقلاً، فإن مثل هذا الفعل لا يكون جائزاً، بل مجهول الحال، وإنما المراد أن عدم الإمتناع أو استواء الطرفين كان فيما سبق باعتبار نفس الأمر أو حكم الشرع، وها هنا باعتبار نفس القائل وموجب إدراكه، فالجائز على هذا يطلق على ما استوى طرفاه عقلاً أو شرعاً عند المخبر لجوازِه، وبالنظر إلى عقله، وإن كان أحدهما في نفس الأمر واجباً أو راجحاً.
  [٤] أو على ما لا يمتنع عنده في حكم العقل أو الشرع، وإن كان في نفس الأمر ممتنعاً عقلاً أو شرعاً، وهذا هو المسمى بالمحتمل، فقد تبين أنه كما يطلق على المحتمل أنه مشكوك فيه يطلق عليه أنه جائز.
  مثال إطلاق الشك على الاحتمال وعدم الامتناع في النفس: أن تقول بعد إثبات اشتراط النية في الوضوء بعده فيه شك، أي احتمال، ولا يراد به تساوي الطرفين.
  (وليس) المباح (مأموراً به عند أئمتنا والجمهور) من الأصوليين (خلافاً لأبي القاسم) الكعبي وأتباعه من المعتزلة، فإنهم زعموا إلى أنه لا مباح في الشرع، بل كل فعل شرعي فهو واجب مأمور به، (وقيل: لم تثبت الرواية عنه) قال في الحاوي: وهذه الحكاية حكاها عنه الرازي وغيره وهي حكاية مغمورة، لا نعرف مذهباً له ولا لأحد من أصحابه، ولو قالها لنقلها عنه إخوانه البصريون، (ويحتمل أن تكون) الرواية (إلزاماً) لأبي القاسم بذلك، وإن لم يقل به، وتأمل في كلام المصنف من أين تكون إلزاماً له؟.