الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[معنى الحمد لله رب العالمين]

صفحة 31 - الجزء 1

  أمَّا الأعمّ: فهو في اللغة: بمعنى المدح، قال:

  يا أيها الماتح دلوي دونكا ... إني رأيت الناسَ يحمدونكا

  أي يمدحونك.

  وحقيقة المدح: الثناء الحسن، والوصف الجميل، ومتعلَّقه النعمة وغيرُها، وموردُه اللسان فقط.

  والأخص: الشكر، وحقيقة الشكر: الإعتراف بنعمة المنعم مع ضرب من التعظيم، ولا بد من اجتماع الإعتراف والتعظيم، وإلا لم يُعدَّ شكراً، وموردُه اللِّسانُ والقلبُ والجوارح، قال:

  أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا

  ومتعلّقة النعمةُ فقط، وهو أي الحمد الذي بمعنى المدح إحدى شُعب الشكر، ومنه قوله #: «الحمدُ رأسُ الشكر، ما شكرَ اللهَ عبدٌ لم يحمده»، وإنما جعله رأسَ الشكر؛ لأنَّ ذكرَ النعمة باللسان، والثناءَ على مُوِلِيهَا أشيعُ لها، وأدلُّ على مكانِها من الإعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الإحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفيٍّ، ويجلي عن كل مشتبه.

  والحمد: نقيضُه الذم، والشكرُ نقيضُه الكفر.

  والتعريفُ في الحمد تعريف الجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كلُّ أحدٍ من أنَّ الحمد ما هو؛ لأنه المتبادر إلى الفهم، السايغ في الإستعمال، لا سيما في المصادر، أو عند خفاء قرائن الإستغراق، أو لأن اللام لا تفيد سوى التعريف، والاسم لا يدل إلا على مسمَّاه، فإذن لا يكون ثَمَّ استغراق.

  ويجوز أن يكون اللام للاستغراق، أمَّا عند المعتزلة فلأنَّ الإمكان والإقدار من الله على الحسنِ والقبيح، وهو على الحسن إحسان وعلى القبيح حسن، وأمَّا عند غيرهم فقط.

  ومعنى استحقاقِ جميع المحامد: أنه يستحق كل حمد، أي بكل جميل، وعلى كل جميل، وذلك لما تقرر من أن كل كمالٍ ثابتٌ له سبحانه لا يشذ عنه كمالٌ، وكلُّ جميل من تلك الكمالات يستحق عليه حمداً، وهذا صحيح على المذهبين لما تقرر.

  واعلم أن أصل الحمد: هو النصب؛ لأن الشائع في نسبةِ المصدر إلى الفاعِل أو المفعول هو الجملة الفعلية، لا سيما وقد شاع استعمال هذا المصدر ونحوه منصوبَةً بإضمار أفعالها، فيكونَ الأصل حمدَ الله أو حمداً لله، والفعل الناصب مقدر أي حمدت أو نحوه، ولكن عدل إلى الجملة