الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المباح]

صفحة 256 - الجزء 1

  (وعلى ثبوتها) على جهة الفرض والتقدير (فالمشهور عنه مع بطلانه) أي بطلان المشهور عنه؛ لأن الأمر طلب وهو لا يلزم الترجيح للمأمور به على مقابله، ولا ترجيح في المباح لتساوي طرفيه فلا يكون مأموراً به (أن المباح مأموراً به لكنه دون المندوب، كما أن المندوب مأمور به لكنه دون الواجب) قيل: فيكون محل الخلاف أن لفظ الأمر حقيقة فيماذا؟.

  هل هو نفي الحرج على الفعل والطلب إيجاباً أو ندباً، أو في القدر المشترك بينهما، فعلى الأول هو مأمور به، أي مأذون فيه بخلاف الثاني.

  (وقيل: أراد) بقوله أنه مأمور به (أمر الإيجاب) حكاه الأشاعرة عنه والمهدي في مقدمته؛ لأن كل مباح ترك حرام، فإن السكوت ترك للقذف، والسكون ترك للقتل، وكل ترك حرام واجب، فالمباح واجب، وترك الحرام وإن لم يكن نفس فعل المباح بل إنما يتم به، فإنَّ ما لا يتم به الواجب إلاَّ به يجب كوجوبِه.

  وأُلزم: بأن هذا الدليل والدعوى في مصادمَة الإجماع، فلا يسمع، وذلك لأنه أجمع على أن الفعل ينقسم إلى مباح وواجب، ولا شيء من المباح بواجب.

  فأجاب: بأن دليله قطعي (وتأول الإجماع على انقسام الأحكام الشرعية إلى خمسة أن ذلك) الانقسام إليها (بالنظر إلى ذات المباح) فإنه يجوز فعله في ذاته وتركه بفعلٍ مباح غيره (لا بالنظر إلى ما يستلزم) من ترك الحرام (فهو واجب) جمعاً بين الدليلين، ولا يمتنع كون الشيء مباحاً لذاته واجباً لما يستلزمه كما يكون الشيء واجباً حراماً باعتبارين.

  وأجيب: بأنا لا نسلم أنه لا يتم الواجب إلاَّ به، وذلك أنه غير متعين بذلك لإمكان الترك بغيره.

  واستضعفه العضد: بأنه يكون واجباً مخيراً، وفيه تسليم القُول بوجوبه.

  وأجاب سعد الدين: بأنَّ المخيَّر يجب أن يكون واحداً منها من أمورٍ معينة، قال: فإن قيل: يكفي التعيين النوعي وهو حاصل بكونه واجباً أومندوباً أو مباحاً.

  قلنا: لا بد في التعيين من تعيين حقيقة الفعل كالصوم والأعيان مثلاً، ولا يحصل ذلك بمجرد اعتبار شيء من الأغراض العامَّة، وأنت تعلم ما اشتمل عليه كلام المؤلف في هذا المقام من عدم الإحكام، فإنه حكى بصيغة التمريض، أو لأنها لم تثبت الرواية عن الكعبي.