فصل: [في المباح]
  ثُمَّ قال: ثانياً: والمشهور عنه مع بطلانه فكيف يقول لم تثبت ثُمَّ يقول: والمشهور وأيضاً قوله: ويحتمل أن يكون إلزاماً ليس ذلك إحكاماً؛ إذ لم يتقدم في اللفظ شيء يقتضي الإلزام، فلو قال: وليس مأموراً به خلافاً لأبي القاسم، والمشهور عنه أنَّه مأمورٌ به، لكنه دون المندوب، كما أن المندوبُ مأمورٌ به، لكنه دون الواجب، وقيل: أراد أمر الإيجاب، وتأول الإجماع الخ، قيل: ولم يثبت هذه الرواية عنه، ويحتمل أن تكون إلزاماً، لكان جيداً، وحينئذٍ يتضح لك قوله إلزاماً لما قال أن المباح مأمور بِه بناء من الذي ألزمه على أن الأمر لا معنى له إلا أمر الوجوب، والله أعلم.
  (والمباح جنس للواجب) لأن المأذون في الفعل حاصل فيهما وهو تمام حقيقة المباح وحقيقة الواجب؛ لاختصاص الواجب بقيد زائد، وهو أنه غير مأذون في تركه، لا معنى للجنس إلاَّ ذلك.
  وأجيب: بأنَّا لا نسلم أن ذلك حقيقة المباح، بل ذلك جنسه وفصله أنه مأذون في تركه، وبه يمتاز عن الواجب فلا يصدق المباح عليه، (ولذلك) أي ولأنه جنس (فإذا نسخ الوجوب بقي الجواز)؛ لأنه لا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام، مثلاً الحيوان جنس للإنسان، ولا يلزم من ارتفاع الإنسان ارتفاع الحيوان.
  قال الشيخ لطف الله: هذا غاية ما تمشى به كلام المؤلف على ما ظهر لي، وفيه مع ذلك نظر؛ لأنه لا يلزم من ارتفاع الخاص بقاء العام، وإنما يلزم جواز بقائه.
  قلت: وقوله: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز مسألة برأسها ستأتي إنشاء الله تعالى في النسخ وذكر الخلاف فيها؛ لكن هذا - أعني كون المباح جنساً للواجب - لا يفرع عليه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز، لأن الجواز هناك بالمعنى الأعمّ لا بمعنى الإباحَة، سلمنا ذلك لكن القول بأن المباح جنس للواجب ربما يدفع القول ببقاء الجواز بعد نسخ الوجوب فضلاً عن استلزامه؛ لأن كل فصل: فهو علة لوجود الحصة التي فيه من الجنس كما نص عليه ابن سيناء، لأنه يستحيل وجود جنس مجرد عن الفصول، كالحيوانية مثلاً، فالعلة في وجود الجواز في الواجب هو فصل: الواجب وهو الحرج على الترك، فإذا زال الفصل: زال الجواز؛ لأن المعلول يزول بزوال علته، وفي ذلك يقول بعضهم:
  يا من حياتي جنس فصل وصاله ... ومن عيشتي ملزوم لازم قربه
  أيوجد ملزم ولا لازم له ... بحال وجنس لم يقم فصله به
  فيثبت أن النسخ ينافي الجواز وقد استدل المخالف هناك بهذا الاعتراض كما سيأتي إنشاء الله.