الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المباح]

صفحة 258 - الجزء 1

  وقد يجابُ: بأنا لا نسلم أن الفصل: علة للجنس كما قاله ابن سينا، بل هما معلولان لعلة واحدة، وتقرير ذلك مذكور في الكتب الحكميَّة، وسيأتي بسط القول في المسألة إنشاء الله تعالى.

  وقال (ابن الحاجب وغيره) كصاحب جمع الجوامع، (بل هما نوعان للحكم) داخلان تحت جنس الحكم، فالحكم يعمهما لو كان جنساً للواجب لاستلزام النوع وهو الواجب تخيير؛ لأنه من حقيقة الجنس والنوع مستلزم لجنسه ضرورة واللازم ظاهر بطلانه.

  (وليس الإباحة بتكليف وفاقاً للجمهور) من الأصوليين (وخلافاً للأسفرايني) فزعم أنها تكليف.

  والحق: أن الخلاف في هذه المسألة لفظي، فإن النافي يقول: التكليف إنما هو لطلب ما فيه كُلفة ومشقة، ولا طلب في المباح فضلاً عن المشقة والكلفَة، ومن أثبت ذلك لم يثبته بالنسبة إلى أصل الفعل بل النسبة إلى وجوب اعتقاد كونه مباحاً، والوجوبُ من خطاب التكليف، وإذا لم يتلاقَ النفي والإثبات على محل واحد، كان النزاع له لفظياً، وإنما لم يجعل السيد ¦ هذا فصلاً برأسه كما هو في غيره من الكتب، بل أردفه قول الكعبي: لاشتراكهما في أن المباح تكليف، ولمخالفتهما الجمهور في ذلك.

  والإباحة حكم شرعي: إذ هي للتخيير بين الفعل والترك المتوقف وجوده كغيره من الحكم على الشرع.

  وروي (عن بعض المعتزلة أنها حكم عقلي) إذ هي انتفاء الحرج عن الفعل والترك، وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمراً بعده.

  قال الرازي: والحق أنَّ الخلاف لفظي؛ وذلك لأن الإباحة تثبت بطرق ثلاث:

  أحدها: أن يقول الشرع: إن شئتم فافعلوا وإن شئتم فاتركوا.

  والثاني: أن تدل أخبار الشرع على أنه لا حرج في الفعل والترك.

  والثالث: أن لا يتكلم الشرع فيه البتة، ولكن انعقد الإجماع مع ذلك بأنه لم يرد فيه طلب فعلٍ، ولا طلبُ تركٍ، فالمكلف مخير، وهذا الدليل يعم جميع الأفعال التي لا نهاية لها.

  إذا عرفت ذلك، فنقول: إن عني بكون الإباحة حكماً شرعياً أنه حصل حكم غير الذي كان مستمراً قبل الشرع، فليس كذلك، بل الإباحة تقرير لا يعتبر، وإن عني بكونه حكماً شرعياً أن كلام الشارع دال على تحققه، وظاهر أنه كذلك؛ لأن الإباحة لا تتحق إلا على أحد الوجوه الثلاثة المذكورة، وفي جميعها خطابُ الشرع دال عليها، فكانت الإباحة من الشرع بهذا التأويل.