الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في الرخصة والعزيمة]

صفحة 266 - الجزء 1

  الآمدي أن نفس كون الفعل أو الترك رخصَة ثابت بخطاب الوضع، باعتبار أن في الفعل أو الترك متعلقاً زائداً، كما في الصحة عنده كما سلف.

  (وشرعها) أي الرخصة كما عرفت لعذر وهو قوله (لدفع التلف) كمن غص بلقمة فخشي على نفسه التلف فأساغها بجرعة خمر، فإن حفظ النفس أولى من حفظ الفعل، (أو دفع المشقَّة) كالإفطار في السفر، فإنه شرع لدفع المشقة الحاصل من الصوم فيه، وإن جازت الرخصة مع عدم حصول وجه حكمه الشرعي وهو المشقة، إذا حصلت مظنَّة المشقة كالإفطار في السفر للملك المترفه في سفره.

  (وتنقسم) الرخصة (إلى واجبٍ: كأكل الميتة للمضطر) لدفع التلف عن نفسه، وهذا أحد وجهين ذكرهما في البحر يجب لوجوب دفع الضرر ولا إثبات للورع، قال في البحر: قلت كفعل أحد الرسولين إلى مسيلمة، وفيها كلام محله الفروع، (ومندوب ومباح ومكروه كالفطر في السفر بحسب حال المسافر) فهو مثال الثلاثة، فإن كان يلحقه مشقة كثيرة فمندوب له الإفطار، وإن كان لا تلحقه إلا مشقة يسيرة فمباح له الإفطار وعدمه، وإن كان لا يلحقه مشقة رأساً كالملك المترفه فمكروه له الإفطار، هذا ما تقتضيه تمشية كلام المؤلف وإلا فقياس مقتضى قواعدنا أن ليس في الصوم إلا حالان ندبُ وكراهة، فالندبُ مع المشقة مطلقاً، والكراهة مع الاستواء، فلو مثل في المباح برخصة العرايا لكان جيداً؛ إذ فعلها وتركها سوى.

  (وقد يكون سببها) أي الرخصة (واجباً) كسفر الحج الفرض، (ومندوباً) كسفر الحج النفل، (ومباحاً) كسفر التجارة حيث هو مستغنٍ، وإنما سفره لطلب تكثير المال لا للكد على أولاده، (ومكروهاً) كمن غص بطحال فأساغه بخمر، فإن أكل الطحال مكروه، (ومحظوراً) السفر المعصية، (وفعلاً لله) كالمرض، (و) فعلاً (للعبد) كالسفر.

  ونحو (إطلاقها) أي الرخصة في الرواية (تفيد أنَّها) وردت (من جهة الشارع) مثل ما روي عن ابن عباس ¥ أنه قال (لا يحل لأحد دخول مكة إلا بإحرام، ورخص لللخطابين)، فإن هذا يفيد أنه عن النبي ÷؛ إذ لا سبيل إلى ترخيص ابن عباس، ولا مدخل للإجتهاد فيه، وقد نصَّ على مثل كلام السيد الأمير الحسين في الشفاء.

  (والفرق بينهما وبين الشبهة واضح) وهو أن الحكم في الرخصة لدليل والشبهة لا دليل عليها، وإنما شبه بالحق.