الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المحكوم به]

صفحة 268 - الجزء 1

  ظاهر كلامه، فاقتضى ذلك تجويزه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك تكليف بما لا يعلم وحكاه في المحيط عن بعضهم، ونسبه بعضهم إلى ابن شريح.

  (و) يشترط في التكليف بالأفعال (إمكانها) عقلاً وعادة (ومن ثَمَّ) أي ومن جهة أنه إذا حصل الإمكان صح التكليف بها، فيترتب التفريع على ما تضمنه الكلام، فإنه يفهم من قولنا: ويشترط إمكانها أنه إذا حصل الإمكان صح التكليف فيتفرع عليه قوله (صح التكليف بالممكن لذاته ولغيره) كالإيمان، فهو ممكن لذاته وممكن من جهة المكلف (عقلاً وشرعاً إجماعاً) لفقدان المانع، (وكذا) صح التكليف به بالشيء (الممكن لذاته الممتنع باختيار المكلف كالإيمان من الكافر) فقد كلفه الله به وهو ممتنع باختياره، (وفي الممتنع باختياره تعالى خلاف يأتي) عند ذكر الخلاف في جواز التكليف مع الأمر بانتفاء شرط الوقوع إنشاء الله تعالى.

  (واختلف) في شيئين:

  أحدهما: (الممتنع لذاته وهو ما يمتنع تصوره) واقعاً (كالجمع بين الضدين) كالسواد والبياض والنقيضين كالزوجيَّة وعدمها، فإن ما هذا حاله ممتنع تصوره واقعاً مثبتاً، لا الحكم عليه كقولنا: الجمع بين الضدين محال، وإنما امتنع تصوره مثبتاً؛ لأنه يلزم منه تصور الأمر على خلاف ماهيته فإن ماهيته وهي الإنتفاء تنافي ثبوته، وإلا لم يكن ممتنعاً لذاته مما يكون ثابتاً فهو غير ماهيته.

  قال القاضي عضد الدين: وحاصله أن تصور ذاته مع عدم ما يلزم ذاته لذاته يقتضي أن تكون ذاته غير ذاته، ويلزم قلب الحقائق، وتحصيله أنا لو تصورنا أربعة ليست بزوج، وكل ما ليس بزوج ليس بأربعة، فقد تصورنا أربعة ليست بأربعة، فالمتصور لنا أربعة ليست بأربعة، هذا خلف.

  وإنما جاز الحكم عليه بأنه غير ممتنع لما ذكر معناه السعد والعضد: وهو أن ليس هذا المتصور هو بتصوره واقعاً، بل باعتبار من الاعتبارات.

  قال سعد الدين: كأن يتصور على طريق التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع، ثُمَّ يقال: مثل هذا الأمر لا يتصور حصوله بين السواد والبياض، وأمَّا على سبيل النفي بأن يعقل أنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض، وما ذكرناه كافٍ في بيان استحالة هذا القسم مع ما سيأتي إنشاء الله تعالى.