الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المحكوم به]

صفحة 270 - الجزء 1

  وقالت (البصرية: بل) يعلم قبح تكليف ما لا يطاق بالضرورة في الشاهد و (بالإستدلال في الغائب) لأنه يفتقر إلى النظر، وقياس الغائب على الشاهد بأن يقال: فإنا نعلم قبح .... الخ فكذا يمتنع في حق الله لحصول العلة الموجبة لقبحه، ورجح هذا القول الإمام المهدي # في الدرر، وعلى كلا القولين فالمطلوب هاهنا هو أن من علم أن تكليف ما لا يطاق قبيح، ثُمَّ علم في تكليف معين أنه تكليف ما لا يطاق علم قبحه.

  وأمَّا الحجة للجميع سمعاً: فقوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، وقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}⁣[التغابن: ١٦]، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}⁣[النساء: ٢٨]، وأشباه هذا.

  قال النجري: والاحتجاج بالسمع على هذه المسألة لا يصح إلا أنه ذكر على سبيل المعارضة لاحتجاجهم به. انتهى، وأنت خبير مما سبق أن هذه الآيات إنما تنفي الوقوع لا الجواز، فتدبر.

  احتج المخالف: أما على جوازه عقلاً: فبنفي التقبيح العقلي الذي يأتي فساده.

  وأما على وقوعه شرعاً: فبأن الله تعالى كلف أبا لهب تصديق النبي صلى الله عليه فيما جاء به، ومن جملة ما جاء به أنه لا يصدقه، فقد كلفه بأن يصدق بأن لا يصدق، وفيه تنافٍ وتناقض ظاهر.

  قلنا: إنما كلفه بتصديق النبي صلى الله عليه فيما جاء به على الجملة لا في كل فردٍ فرداً، لا فيما بلغه منها فقط، ولا نسلم أن هذا مما بلغه؛ إذ لا يجب التبليغ إلا إلى من له فيه مصلحة من حكم أو غيره، ولا مصلحة لأبي لهب في ذلك.

  قالوا: قال تعالى {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}⁣[البقرة: ٢٨٦].

  قلنا: المراد لا تحملنا ما يثقل علينا ويشق تكليفه، كما فعلت في سائر الأمم من التكاليف الشاقة من قتل النفس، وقرض الجلد، وهذا ظاهر في اللغة، يقال: ما أستطيع النظر إلى عدوي ولا أطيق صحبة فلان ونحو ذلك.