فصل: في بيان المكلف به في النهي
  قال المهدي: ولأنه لو ورد مقارناً لوجود الفعل لعدمت الفائدة فيه، وهي: إما الحد أو التعريف؛ لأن حالة الوجود حالة الوجود حالة استغناء عن الحد عليها والتعريف بها.
  إذا عرفت ذلك (فيتعلق الأمر به قبل المباشرة إعلاماً) في الحال بالتكليف، (وإلزاماً) للمكلف بالتحيز في باب الحال، وفي هذا ردٌّ على المخالفين حيث زعموا أن الأمر قبله إعلام فقط.
  قال المهدي: فإن أرادوا أنه إعلام بما تضمنه الأمر فذلك لا يخرجه عن كونه أمراً، ألا ترى أن أوامر القرآن متقدمة على أفعالنا، وهي أمر لنا بالإتفاق، وإن أرادوا أنه إعلام بورود أمر آخر في حال الفعل فليس في لفظ الأمر ما يقتضي ذلك، وإن أرادوا أنه إذا حضر وقت الفعل سمي حينئذٍ ما تقدم أمراً، فذاك باطل، للإجماع على أن الواحد منَّا مأمور بالصلاة قبل حضور وقتها.
  وقال الإمام الحسن: وقد يمنع كون أوامر القرآن أمراً لنا، بل إنما يثبت الحكم في حقنا بدليل منفصل: من الإجماع ونحوه على ما سنبينه إنشاء الله تعالى.
  (لا حال حدوثه) كما زعم المخالف فيتعلق الأمر به، (إذ هو تكليف بإيجاد الموجود، وهو محال).
  قال سعد الدين: هذه مغالطة، فإن المحال إيجاد الموجود بوجود سابق، لا بوجود حاصل، بهذا الإيجاد، فالأولى ما قدمنا للمهدي، لكن المصنف مع ابن الحاجب والعضد.
  وقال (الأشعري وجمهور أصحابه: بل التكليف حال حدوثه فقط، والأمر قبله) لا تكليف فيه، وإنما هو (إعلام بأن المكلف يصير في الزمن الثاني مأموراً بالمباشرة).
  واستدلَّ بعضهم على ذلك: بأن القدرة حين الفعل ولا توجد قبله، فلو كان تكلفاً قبل الفعل لكان مكلفاً بلا قدرة عليه وهو محال.
  والدليل على أن القدرة لا تكون إلا مع الفعل: أن القدرة صفة متعلقة بالمقدور، كالضرب المتعلق بالمضروب، ووجود المتعلق بدون المتعلق محال.
  ورُدَّ: بأنّا لا نعلم أن القدرة مقارنة للفعل بل هي قبله؛ لأن القدرة لو كانت مقارنة لمقدورها لما تعلق الفعل بالقادر؛ لأنه قبل وجوده غير قادر عليه؛ لأنه لعدم القدرة وبعد وجوده لا اختيار له فيه، فلا تعلق له به، بل إنما يكون تعلقاً بفاعل القدرة.