فصل: لما فرغ من المحكوم فيه شرع في بيان المحكوم عليه
  [٢] (والمصلحة) فلا يجوز أن يكون تكليفة لا لمصلحة ولا لمفسدة؛ لأنه عيب، ولا لمفسدة؛ لأنه قبيح لا يجوز على الله تعالى.
  [٣] (والعلم) من المكلف (بإيصال الثواب) على الفعل أو على تركه إليه إن أطاع، (والعقاب) عليه أو على تركه إن عصى، لما في العلم به من اللطف للمكلف الداعي له إلى فعل ما كلف به أو تركه.
  [٤] (والقدرة) على الفعل؛ إذ لو كلفه ولم يُقْدِرْهُ لكان تكليفاً بالمحال.
  [٥] (وعدم الإلجاء) على الفعل أو الترك، والملجئ: [كما قال الإمام عز الدين في المعراج: بلوغ داعي الحاجة حداً لا يقابله صارف يقاومه](١)، هو كالمحتضر، وأهل النار، لأن التكليف هو التعريض لمنافع الثواب، وهو لا يستحق ثواباً على ما ألجئ إليه.
  [٦] (والفهم) من المكلف بما أمر به، قال في حاشية العضد: بأن يفهم الخطاب قدر ما يتوقف عليه الامتثال، لا بأن يصدق أنه مكلف، وإلا لزم الدور، وعَدِمَ تكليف الكفار. انتهى.
  وإنما اشترط الفهم؛ لأن الامتثال بدون الفهم محال؛ إذ لا يتصور ممن لا شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالاً للأمر.
  واحترزنا بقولنا (امتثالاً) عما يقع على سبيل الاتفاق، لئلا يتوهم أن ذلك إن جاز فربما علم الله منه ذلك فكلفه به، فلا يكون تكليف محال.
  وأيضاً: فلو صح تكليف مَنْ لا يفهم لصح تكلف البهائم لاشتراكهما في عدم الفهم.
  (ومن ثَمَّ) أي ومن جهة اشتراط الفهم في التكليف (امتنع تكليف من لا يعلم، كالساهي والنائم، إلا عند بعض الأشعريَّة)، وهم بعض من جوز التكليف بالمحال، فحكموا بجوازه.
  قال عضد الدين: وقد منعه بعضهم؛ لأن التكليف بالمحال قد يكون للإبتلاء، وهو معدوم هنا، محتجين بأنه لو لم يصح لم يقع، وقد وقع؛ لأنه اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه.
  (و) الجواب أن (اعتبار طلاق السكران وقتله وإتلافه) مع العقل وعدم الفهم (ليس بتكليفٍ، بل من قبيل الأسباب) أي من قبيل ربط الأحكام بأسبابها (كقتل الصبي وإتلافه) فإنه سبب وجوب الضمان، والدية من ماله على وليه، وهو غير مكلف به قطعاً، بل هو كربط وجوب الصوم بشهود الشهر.
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ)، وصححه في آخرها.