الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في التكليف بالمعدوم]

صفحة 275 - الجزء 1

  قالوا: قال تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}⁣[النساء: ٤٣]، فهذا أمر لمن لم يعلم ما يقول، ومثله لا يفهم ما يقال له قطعاً، فقد كلف من لا يفهم التكليف.

  قلنا: هو ظاهر في مقابلة قاطع، فيجب تأويله، وله تأويلان:

  أحدهما: أنه نهى عن السكر عند إرادة الصلاة نحو: لا تمت وأنت ظالم؛ إذ معناه لا تظلم فتموت وأنت ظالم.

  وثانيهما: أنه نهى عن الثَّمِل الثابت العقل، فيسمى الثمل سكراناً؛ لأنه يؤدي إلى السكر غالباً، وحكمةُ نهيه أنه يمنعه التثبت كالغضب، وقد يقال للغضبان: اسكن حتَّى تعلم ما نقول: أي تعلم علماً كاملاً، وليس الغرض نفي العلم عنه بالكليَّة.

فصل: [في التكليف بالمعدوم]

  (ويستحيل تكليف المعدوم وإرادة الفعل منه حال عدمه اتفاقاً) وعرفاً فإن ذلك بالضرورة، (وكذا) يستحيل (عند أئمتنا والمعتزلة تعلق الخطاب به) أي بالمعدوم حال عدمه؛ لأن الخطاب: - كما عرفت في أول الكتاب - توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، وهو منتفٍ في المعدوم فلا جرم حكم باستحالته.

  (خلافاً للأشعريَّة بناء على أصلهم) الفاسد (في قِدَمِهِ) أي في قدم الخطاب، فقالوا: إن الأمر يتعلق بالمعدوم تعلقاً عقلياً، وهو أن المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد بشرائط التكليف توجه عليه حكم في الأزل لما يفهمه ويفعله فيما لا يزال، ولم يريدوا بذلك أنه مأمور حال عدمه؛ لأنه معلوم البطلان.

  واحتجوا على ذلك: بأن لو لم يتعلق التكليف بالمعدوم لم يكن التكليف أزلياً، واللازم باطل.

  أمَّا الملازمَة: فلأن حقيقته التكليف التعلق؛ إذ لا يتحقق بذاته حقيقة التكليف إلاَّ به، فإذا كان التعلق حادثاً كان التكليف حادثاً.

  أمَّا بطلان اللازم: فلأن كلامه أزلي لامتناع قيام الحوادث بذاتِه، ومنه أمر ونهي وغيرهما، والأمر والنهي تكليف.

  والجواب: منع كون الكلام أزلياً فيمتنع بطلان اللازم.

  (و) لما أورد على بعض الأشعرية أنه يلزم من وجود الأمر أمر ونهي وخبر من غير متعلق موجود وأنه محالٌ، (اختلفوا) بعد القول بأنه يتعلق الخطاب به (في وصفه) أي الخطاب (بكونه أمراً ونهياً وخبراً في الأزل: فمنعه الكلابية) منهم بذلك، وقالوا: إنَّما يتصف بذلك فيما لا يزال، والقديم هو