فصل: [التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه]
  (وكذا) يصح التكليف (مع جهل الآمر وعلم المأمور) كالسيد يقول لعبده: افعل كذا غداً مع علم العبد أنه يموت قبل غد.
  قال الإمام ¦: هذا اتفاق بيننا وبين الأشاعرة، [لأن صدور الأمر إنما هو من جهة الأمر للفاعل وهو جاهل بحقيقة الحال، وكون العبد عالماً بتعذره لا يبطل كونه أمراً من جهة السيد](١).
  (وإنما يكونان) أي هذان الوجهان (في الشاهد) لا الغائب، لأن الله سبحانه وتعالى لا يتصور عليه الجهل.
  (وأما مع علم الآمر وجهل المأمور) إمَّا أن يكون خاصاً أولا:
  (فإن كان خاصاً) بذلك الذي علم انتفاء شرط وقوعه:
  (فأئمتنا) كالمؤيد والمتوكل على الله وغيرهما (والمعتزلة) منهم أبو علي في أحد قوليه وأبو هاشم (و) عبد الملك (الجويني) من الأشعرية (على امتناعه، وجمهور الأشعرية على جوازه، وروي) هذا القول (عن المنصور) بالله، وذلك (كأمره مكلفاً بصوم يوم قد علم موته قبله).
  لنا: أن المصلحة إنما تنشأ عن المأمور به، لأن الأمر بمجرده لا يكفي المصلحة، فإذا كان المأمور به غير معلوم الوقوع لزوال التمكين فلا فائدة في الأمر أصلاً، فلا جرم أحلناه، وأيضاً أمره - والحال هذه - أمر لمن لا يقدر، وأمر من لا يقدر قبيح؛ إذ هو تكليف ما لا يطاق.
  احتج المخالف: بأن فائدته توطين النفس والعزم، فيحصل به الثواب أو العقاب.
  قلنا: هذا يوجب أن لا يكون ذلك الفعل مراداً، بل المراد العزم فقط، ويوجب أن لا يكون الأمر له؛ إذ الأمر شيء والمراد غيره، تغرير لا يليق بالحكم.
  [قالوا: أجمعت الأمة على أن الصبي إذا بلغ يجب عليه أن يعلم كونه مأموراً بشرائع الإسلام، منهياً عن منهياته، وإن لم يحضر وقت صلاة في الأول، ومن تمكن فعله في الثاني، وكون الله تعالى عالماً بأنه لا يمكنه لا يدفع وجوب أن يعتقد أنه مأمور ومنهي بشرط التمكن.
  قلنا: لا نسلم، ولو سلم فهل انعقد في حال من يعلم من حاله التمكن أو في غيره.
  الأول مسلم، والثاني غير مسلم.
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ) وصححه.