فصل: [التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه]
  ثم ماذا أرادوا بانعقاده مع عدم التمكن، هل في حق الله أو في حق الصبي:
  الأول غير مسلم، والثاني مسلم.
  ونعني بذلك أن يجب عليه أخذ الأهبة والتشمير في تحصيل الأوامر الشرعية، أما أنه يعلم أنه غير مأمور مع عدم التمكين فلا.
  تنبيه: منشأ الخلاف من أن المصلحة في المأمور، أو في مجرد الأمر:
  فأئمتنا قالوا: بالأول، وغيرهم قال بالثاني](١).
  (وإن كان عاماً) لا يختص بذلك الذي قد علم موته قبل الوقت (امتنع عند البصرية) لما تقدم، (خلافاً للبغدادية والأشعريَّة) فقالوا: يجوز؛ لأن أكثر أوامر الله كذلك، فإن بعض المكلفين يموت قبل التمكين.
  وأجيب: بأنا لا نسلم الذي مات قبل التمكن مكلف، وذلك (كصوموا غداً، مع علمه بموت بعضٍ) منهم.
  (و) أما التكليف بالشيء (مع علمها) أي الآمر والمأمور فإنه (يمتنع اتفاقاً) بيننا وبين الأشعريَّة (أيضاً) كقول السيد لغلامِه(٢): اصعد السطح غداً، مع علمهما بأنه يموت، لعدم الفائدة حينئذٍ عند الفريقين: أمَّا عندنا: فظاهر، وأمَّا عند الأشعريَّة: فلعدم التوطين.
  ومنشأ الخلاف: من أن المصحلة من المأمور، وأن فائدة التكيف الامتثال، أو من الأمر، وأن فائدته توطين النفس، فلذا اتفقنا نحن والأشعرية في امتناع الصورة الآخرة لعدم الفائدتين.
  ولما فرغ من الحكم ومتعلقاته شرع في بيان الدليل وما يتصل به؛ لأن الأدلة موضوع هذا الفن، فقال:
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ) وصححه.
(٢) قالوا: لو امتنع لزم لو علم الله سبحانه أن زيداً يمنع عمراً من الصلاة أن نقطع بأن عمراً غير مكلف بها، فيلزم أن لا يقبح منع زيد له، لأنه منعه عما ليس مكلفاً به.
قلنا: لا نسلم حسن منعه مما ليس مكلفاً به، إذ ليس للرجل منع غيره من التصرف في نفسه، أما منع غيره من القبيح فهو واجب سمعي على الأصح، ولو سلم فإنما يقبح لكونه منعه عما لو لم يمنعه لكان فيه مصلحة، وهذا كمن منعه غيره من الكسب لنفسه ولأولاده. تمت من حاشية على هامش النسخة (أ)