تنبيه
  وأمَّا المثال: فهو أن لإدراك البصيرة شبه بإدراك الباصرة كانطباع الصورة في المرآة، كذلك العلم عبارة عن انطباع صورة المعقولات في العقل، فالنفس بمنزلة حديدة المرآة وغريزتها التي بها تهيء لقبول الصورة، أعني العقل بمنزلة صقالة المرأة واستنارتها، وحصولُ الصورة في مرآة العقل هو العلم، فالتقسيم المذكور يقطع العلم عن مظان الأشياء، وهذا المثال يفهمك حقيقة العلم.
  قال سعد الدين: هذا ملخص كلامه في المستصفى، وبه يتبين أن مراده عسر تحديده بالحد الحقيقي لا ما يفيد امتيازه.
  وقال (بعض الأوائل والرازي) ورواه عن الأئمة السيد حميدان، ليس تعذر تحديده لعسره بل (لجلائه) ووضوحه، وذلك (لأنه ضروري) وإذا كان ضرورياً فلا فائدة في حده لحصوله من غير حد.
  واستَدلَّ على أنه ضروري بوجهين:
  أحدهما: أن تصور العلم لو كان كسبياً لتوقف تصور حقيقة العلم على تصور الغير، وهو الجنس والفصل، وتصور الغير موقوف على العلم فيدور.
  والجواب: منع لزوم الدور، وإنما يلزم توقف تصور الغير على تصور حقيقة العلم، وليس كذلك، بل على حصول فردٍ من أفراد العلم يتعلق بذلك الغير.
  والوجه الثاني: أن علم كل واحد بأنه موجود ضروري، وهذا علم خاص وهو مسبوقٍ بالعلم المطلق، والسابق على الضروري ضروي، فالعلم المطلق ضروري.
  والجواب: أن الضروري تصور وجوده وتصديقه بأنه موجود، وهو غير تصور العلم الذي هو المتنازع فيه.
  قال في شرح العضد: فإن قيل: العلم من صفات النفس فحصوله في النفس تصوره.
  قلنا: تصور الشيء ووجوده في النفس وجوداً غير متأصل، بمعنى أنه يرسم في النفس مثال مطابق له، وحصول العلم بالشيء في النفس وجودَه فيها وجوداً متأصلاً كالكرم والبخل والإيمان والكفر، وهذا يوجب الإتصاف لا التصور، والأوَّل العكس فالكافر يتصور الإيمان ولا يتصف به، ويتصف بالكفر.
  (قيل) والقائل العلامَة ابن أبي الخير (وهو) أي القول بأنه لا يحد بكونه ضرورياً (يبتنى على أن العلم بالعلم ضروري، كما هو رأي البغدادية) فعلم الإنسان بأنه يعلم أنه موجودٌ ضروري، فقد حصل له فرد من العلم بالضرورة فيكون تصور العلم ضرورياً، وأنت تعلم أن ضرورية حصول الشيء لا يستلزم ضرورية تصوره لما عرفت من الفرق بينهما.