فصل: [في حد العلم]
  وقال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: بل (يحد) بناء على منع خفاء الجنس والفصل؛ لأن العلم أمر اعتباري ولا إشكال في الأمور الاعتباريَّة؛ لأن كل ما يعتبر داخلاً في مفهومها، فهو ذاتي لها، إمَّا جنسٌ إن كان مشتركاً، أو فصل: إن لم يكن كذلك، وكل ما ليس داخلاً في مفهومها، فهو عرضي لها، فلا اشتباه بين حدودها ورسومها المسماة بالحدود والرسوم الاسمية.
  قالوا: ولا نسلم أنه ضروري لعدم قيام دليل عليه.
  (قيل: وهو) أي القول بحده (ينبني على أن العلم بالعلم مكتسب) واكتسابه بالنظر، والنظر مدفوع إليه بضرورَة العقل، فلا يرد التسلسل (كما هو رأي البصرية) فقد استلزم كسبه لحصول كسبه التصور على زعم هذا، وقد عرف مما سبق عدم انبنائه على ذلك.
  وإذا عرفت أنه يحد فقد حد بحدود كثيرة أجودها: إدراك لا يحتمل متعلقه النقيض، أي نقيض ذلك التمييز، فيشمل التصور والتصديق بناء على أن التصورات لا نقائض لها.
  فإن قيل: كيف ينكر تحديد العلم، وقد ذكر في تحديده أمر لا سبيل إلى إنكاره إلا للسوفسطائية.
  قلنا: أمَّا مَن أنكر تحديد العلم على الوجه الحقيقي كالغزالي فهو ينكر أنما يذكر في تعريفات العلم حدوداً حقيقة، وأمَّا مَن نفاه مطلقاً فهو يريد بأنه لا يحد بالحد الذاتي والرسمي ممَّا يحصل به في الذهن صورة غير حاصلة، وأمَّا اللفظي فهو مخير للتحديد به.
  قالوا: فما ذكر في معرض التعريف فهو تعريف له بحسب اللفظ، والأشياء البديهيَّة تعرف بحسب اللفظ كما هو معرو في مظانه.
  (والجهل: مفرد ومركب، فالمفرد: انتفاء العلم بالمقصود) أي ما من شأنه أن يقصد ليعلم بأن لم يدرك أصلاً ويسمى أيضاً الجهل البسيط.
  (والمركب: تصور المعلوم) أي إدراك من شأنه أنه يعلم (على خلاف ما هو عليه) في الواقع، واستغنى المصنف في حد المفرد بقوله: انتفاء العلم عن التقييد في قول غيره عدم العلم عن من شأنه العلم؛ لإخراج الجماد والبهيميَّة عن الإتصاف بالجهل؛ لأن انتفاء العلم إنما يقال فيمن من شأنه العلم بخلاف عدم العلم.
  وخرج بقوله: (المقصود) ما لا يقصد كأسفل الأرض وما فيه، فلا يسمى انتفاء العلم به جهلاً.