فصل: [في الدليل الأول: وهو الكتاب]
  وقوله (أو بعدة آياتها): وهي أربع آيات تنبيهاً على أن ما كان كذلك فهو معجز للإجماع عليه، وإلا فلا حاجة إليه في التعريف، ولا خفَاء في أن من للتبعيض، وضمير منه للكلام، لكن هل يبقى على ظاهره، أو يقدر مضاف محذوف، والأجود تقدير مضاف إلى الضمير، أي من جنس ذلك الكلام في الفصاحة وعلو الطبقة، ليكون اسماً للمفهوم الكلي الصادق على المجموع، وعلى أي بعض منه بفرض؛ إذ هذا يناسب غرض الأصولي، فإن الإستدلال إنما هو بالأبعاض، إلاَّ أنه لا يخفَى أنه يصدق على مثل: قل وافعل، ولا يسمى كتاباً بمعنى قرءاناً في العرف.
  فإن قيل: في صدقة على مجموع القرآن خفاء؛ إذ السورة ليست من جنس المجموع.
  قلنا: المراد بالجنس المماثل فيما ذكر، والسورة تماثل المجموع في ذلك، فيصدق أنها من جنسه وإن لم يقدر مضافاً، فأجري ذلك على ظاهره ولم يعتبر فيه حذف، كان القرآن اسماً للمجموع الشخصي المؤلف من السور، فيخرج بعض القرآن عن كونه وحده قرءاناً، فإن التحدي بسورة من كل القرآن أي سورة كانت غير مختصَّة ببعض، فلا يصدق على النصف الأوَّل - مثلاً - أنه الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه، وهذا كلام دقيق، يظهر لمن نظر بعين التحقيق.
  واعلم أنه إن أراد تفسير مدلول اللفظ، وتفسير وتصوير مفهومه بالنسبة إلى من عرف الإعجاز والسورة ونحو ذلك فصحيح؛ لأنه يكفي في ذلك إيراد لفظٍ أشهر يزيل الاشتباه العارض، وإن قصد غير لوازمه التبينية المفيدة لذلك، فلا يخفى أن كون القرآن للإعجاز مما لا يعرف مفهومه إلا الأفراد، فلا يكون لازماً بيناً، فلا يصلح للتعريف وتمييز الحقيقة.
  وقوله (متواتراً) للواقِع؛ لأنه قيد يحترز به عن شيء، وهو حال مقدرة من ضمير المنزل أي منزل مقدراً تواتره كقولك: قدم زيد بفرس لاقياً به العدو غداً، ويحتمل أن يكون حالاً مؤكدة، وكونه بعد ما هو كالجملة الفعلية وهو المنزل؛ إذ هو بمعنى الذي نزل لا يصلح مانعاً من وجود المؤكدة إلا على قول من اشترط في المؤكدة أن تكون بعد جملة اسميَّة، ويلزمه أن يجعلها هنا غير مؤكدة ولا منتقلة كما قال في المطول، والحق أن الحال التي ليست مما تثبت مرة وتزول أخرى كثيراً ما تقع بعد الجملة الفعلية أيضاً، فمن اشترط في المؤكدة كونها اسميَّة لزمه أن يجعلها قسماً آخر غير المؤكدة والمنتقلة، ولتسمَّ دائمة أو ثابتة، فصار الحاصل أنه هنا إما مقدرة أو مؤكدة أو دائمة.