الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في كلام الجزري في القرآءة الصحيحة]

صفحة 301 - الجزء 1

  وأمَّا زيد: فإنه قرأه على رسول الله ÷ بعدهما، وكان عرضه عليه متأخراً عن الكل.

  إذا عرفت هذا فقال الجزري: موافقة القراءة للمصاحف العثمانية: إمَّا بأن تكون موافقة لأحدهما بأن تكون ثابتاً في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} في البقرة بغير واو، {بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ٢٥} بزيادة الباء في الاسمين، ونحو ذلك فإن ذلك ثابت في المصحف الثاني.

  وقوله: (لفظاً أو تقديراً بأن يحتملها الرسم) أي رسم المصحف، قال الجرزي: وقد تكون موافقة للرسم تحقيقاً وهي الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديراً، وهي الموافقة احتمالاً، فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعاً نحو {السموات، والصلحين، والصلوة، والزكاة والربو}، وقد توافق بعض القرآن الرسم تحقيقاً، ويوافقه بعضها تقديراً {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}، فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف توافقه تحقيقاً، كما كتب {مَلِكِ النَّاسِ ٢}، وقراءة الألف توافقه تقديراً كما كتب {ملك الملك}، فيكون الألف حذفت اختصار.

  قال: وقد يوافق اختلاف القراءت الرسم تحقيقاً نحو {يَعْمَلُونَ ٩٦} بالياء والتاء، {يَغْفِرْ لَكُمْ} بالياء والنون، ونحو ذلك مما يدل تجرده عن النقط والشكل في حذفه وإثباته على قصد عظيم للصحابة في علم اللحاء خاصة، وفهم ثاقب في تحقيق كل علم، وانظر كيف كتبوا الصراط بالصاد المبدلة من السين، وعدلوا عن السين التي هي الأصل، فيكون قراءة السين وإن خالفت الرسم من وجهٍ قد أتت على أصل، ولا تكون قراءة الإشمام محتملة، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك، وغدت قراءة غير السين مخالفة للرسم والأصل، ولذلك اختلفت في {بَسْطَةً} الأعراف دون {بَسْطَةً} البقرة؛ لكون حروف البقرة كتبت بالسين، والأعراف بالصاد، على أن مخالفة صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفاً، إذا شئت القراءة فيه، ووردت مشهورة مستفاضة، ولذا لم يعدوا ثبات ياء الرواية، وحذف ياء {كِلتَى} في الكهف، وواو {وأكون من الصالحين}، والظاء من {تطنين} ونحوه من مخالفة الرسم المردودة، فإن الخلاف في ذلك مغتفر؛ إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد، والمتبع صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول.

  بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتَّى ولو كانت حرفاً واحداً من حروف المعاني، فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه، هذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته. انتهى.