فصل: [في كلام الجزري في القرآءة الصحيحة]
  وقد أحطت بقوله ليتضح أكثر معنى ما في المتن ولما يراه من جنسه.
  [٣] (ووافقه العربية ولو بوجه) من وجوه العربيَّة، قال الجرزي: سواء كان أفصح، أو فصيحاً مجمعاً عليه، أو مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع، وتلقاه الأمَّة بالإسناد الصحيح؛ إذ هو الأصل الأعظم، والركن الأقوم، وهذا هو عند المحققين في ذكر موافقة العربيَّة، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم، ولم يعتبر إنكارهم بل أجمع المعتد بهم من السلف على قبولها، كإسكان {باريكم، يامركم وحفظ الأرحام} ونصب {لِيَجْزِيَ قَوْمًا}، والفصل: بين المضافين في {قتل أولادهم شركائهم} وغير ذلك.
  قال الداني: وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصل في الفعل والرواية، وإذا ثبتت القراءة لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
  قال الجزري: فكل قراءة تكون على ما حققناه فهي القراءة الصحيحة التي ينبغي أن يعتمد عليها.
  (و) حكى الجزري أيضاً عن الجمهور (أنه لا يجوز إنكارها) أي الذي صح سندها ووافقت المصاحف العثمانية كما سبق، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على محمد ÷ على الخلقِ كافَّة قبولها، (سواء كانت عن السبعة) نافع، وأبي عمر، والكسائي، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، (أو عن العشرة) وهم هؤلاء السبعة، ويعقوب، وأبو جعفر، وخلف، (أو عن غيرهم من الأئمة المقبولين) كيزيد بن القعقاع، وأبي معشر الطبري، وأبي بن خلف الجمحي، قال: هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف، والخلق صرح بذلك الداني، ومكي، والمهدي، وأبو شامة، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
  قال أبو شامة في المرشد الوجيز: لا ينبغي أن يعبر بكل قراءة تعزى إلى أحد السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وأنها أنزلت هكذا، إلاَّ إذا دخلت في ذلك الضَّابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فإن ذلك لا يخرجها عن الصحّة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من ينتسب إليه، فإن القراءة المنسوبَة إلى كل قاري من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجمع عليه من قراءتهم يذكر النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم. انتهى.