فصل: [في القرآءات السبع وبيان تواترها]
  ثُمَّ قال: قال ابن قتيبة: ولو أراد كل فريق من هؤلاء أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً، شق عليه ذلك، ولهذا عظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة بتذليل اللسان، وقطع للعادة، وأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعاً في اللغات، ومتصرفاً في الحركات بتيسيره عليهم.
  قلت: وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه في الحديث الطويل الراوي له في جامع الأصول عن أبي، وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي، إلا أن لفظه للترمذي وهو ما خرجه عن أبي بن كعب، قال: لقي رسول الله ÷ جبريل فقال «يا جبريل بعثت إلى أمة أميين فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط»، فقال لي يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
  واعلم أنه اختلف في الأحرف ما هي فقال:
  (الجمهور) من العلماء: (والمراد بالأحرف سبع لغات عربيَّة) قال الجرزي ما معناه: والإجماع منعقد على أنه ليس المقصود أن يكون الواحد يقرأ على سبعة أوجه؛ إذ لا يوجد ذلك إلاَّ في كلماتٍ قليلة نحو: جبريل، وأرجه، وهيهات، وهيت، وعلى أنه لا يجوز أن يكون المراد هذه السبعة المشهورة كما يظنه بعض العوام، لأنهم لم يكونوا خلقوا ولا وجدوا، وأول من جمع قرآءتهم أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة. انتهى.
  وقال الداودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ بها الناس اليوم ليس كل حرفٍ منها تلك السبعة، بل تكون مفرقة فيها.
  وقال أبو عبد الله بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرفٍ واحدٍ من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف، وكذا ذكر النحاس وغيره.
  نعم، وسميت أحرفاً؛ لأن كلاً منها حرف يخالف الآخر، والحرف في اللغة وجه الشيء، أو تسمية للكلِّ باسم البعض تجوزاً، لأن الحرف في اللغة أيضاً طرف الشيء وناحيته.
  وقال إمامنا المنصور بالله قدس الله روحه في الجنة أن اللغة العربية تسمى حرفاً في اللغة.
  وإذا عرفت أن الأكثر على أنها لغات فاعلم أنهم قد (اختلفوا في تعيينها على أقوال):
  فقال أبو عبيدة: لغة قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن.