الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[الثالث: وجه إعجاز القرآن]

صفحة 320 - الجزء 1

  ثُمَّ قال الإمام: والأقرب عندي أن صاحب هذا القول أنكر كون القرآن معجزة لرسول الله ÷ لدخول الكلام الفصيح تحت مقدور الفصحاء، ولا سبيل إلى معرفة عجز كل العالم عن مثله، لكنه متضمن للإعجاز من وجه آخر وهو أنه متواتر عن النبي ÷ وفيه أخبار بالغيب، فالطريق إلى ثبوته تواتر إخباره بالغيب، ولم يحصل ذلك إلا في القرآن فجعلناه معجزاً، لا بنفسه بل للتضمن المذكور، ولم يجعل الطريق إلى ثبوته سائر الإخبارات لعدم التواتر.

  قال: ويبعد أن يقول بالقول الذي حكاه الأصحابُ بعضُ العوام.

  [٣] (وقيل) وجه إعجازه: (كون قارئه لا يكل) أي لا يفتر، (وسامعه لا يمل) عن سماعه، وذلك دالٌّ على أنه ليس من كلام البشر لوجود الكلال والملال فيه، ولهذا يقال: أثقل من معاد.

  [٤] (وقيل) وجه إعجازه (سلامته عن التناقض والاختلاف) مع طوله جداً، وكثرة أمثاله وقصصه وتكررهما، فيعلم بذلك كونه من غير البشر؛ إذ لو كان منهم لوجد فيه ذلك، قال تعالى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}⁣[النساء: ٨٢].

  قال الشيخ لطف الله: ويمكن أن يكون المراد بالتناقض المصطلح عليه - أعني الاختلاف بالإيجاب والسلب - فيكون الاختلاف عليه من عطف العام على الخاص، وأن يكون المراد بالتناقض الاختلاف في الأحكام ونحوه، وبالاختلاف في البلاغة بحيث لا تكون كل ثلاث آيات منها معجزة. انتهى.

  نعم، وسئل الغزالي عن معنى الآية، فقال: المراد نفي الاختلاف عن ذات القرآن يقال: هذا مختلف - أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف أي بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا، أو هو مختلف النظم فبعضه على وزن الشعر وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة وبعضه على أسلوب مخالفة، وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم متناسب أوله وآخره، وعلى درجةٍ واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومَسُوقٌ لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله، وصرفهم من الدنيا إلى الدين، وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات؛ إذ كلام الشعراء والمُرْسِلِين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثُمَّ اختلاف في درجات الفصاحة حتَّى يشتمل على الغث والسمين، فلا تساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراضٍ مختلفة؛