الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[الثالث: وجه إعجاز القرآن]

صفحة 321 - الجزء 1

  لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهمون، فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حرماً، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفاً، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة، وتارة يذمونها ويسمونها تهوراً، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات؛ لأن منشأها اختلاف الأغراض والأحوال، والإنسان تختلف أحواله، فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفَرَحِه، وتتعذر عليه عند الانقباض، وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة، ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافاً في كلامه بالضرورة، فلا تُصادف إنساناً يتكلم في ثلاث وعشرين سنة - وهي مدَّة نزول القرآن - فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد، ولقد كان الرسول ÷ بشراً تختلف أحواله، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر وجدنا فيه اختلافاً كثيراً. انتهى.

  [٥] (وقيل) وجه إعجازه (أمر يُحَسُّ به ولا يُدرَكُ كالملاحة) فهو يحس بها ولا يمكن وصفها، وفي الحواشي: وهذا قول السكاكي وابن أبي الحديد، واختاره شيخنا.

  قال الشيخ لطف الله حفظه الله: وهذا إنما ذكره السكاكي للإعجاز لا لوجه الإعجاز فليس هذا قولاً آخر في تفسير وجه الإعجاز، ومن ثُمَّ قال السيد الشريف في شرح المفتاح: إن الأقوال في ذلك خمسة ولا سادس لها، وذكر المذكورة هنا إلا كون قرائه لا يكل وسامعه لا يمل، فإنه لم يذكره وذكر غرابة أسلوبه، يعني وروده على أسلوب مباين لأساليب كلامهم في خطبهم وأشعارهم، لا سيما في مطالع السور ومقاطع الآي، مثل: يؤمنون، يعلمون، يفقهون، قال: فلو كان السكاكي قائلاً بمثل ما ذكره المؤلف لكان قولاً سادساً يبعد أن يخفى على شارح كلامه. انتهى.

  قلت: بل ذلك الذي ذكره الشيخ ¦ صريح عبارة صاحب المفتاح | كما نقله صاحب المطول، ولفظُهُ: مدرك الإعجاز هو الذَّوق ليس إلاَّ، ونفس وجوه الإعجاز لا يمكن كشف القناع عنها.

  وقال: وجوه الإعجاز أمر من جنس الفصاحة والبلاغة لا طريق إليه إلاَّ بطول خدمة هذين العلمين.

  وفي موضع: لا علم بعد علم الأصول يكشف القناع عن وجوه الإعجاز من هذين العلمين.

  نعم، لا يمكن بيان وجه الإعجاز وإدراك تحقيقه لامتناع الإحاطة بهذا العلم لغير علام الغيوب.