الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[الثالث: وجه إعجاز القرآن]

صفحة 322 - الجزء 1

  [٦] (وقيل) وجه إعجازه (صرفه) العرب (عن معارضته) وهذا القول للنظام وأبو إسحاق النصيبيني والشريف المرتضى الموسوي، قال في الغايات: واختلف أهل هذا القول في تفسير الصرفة على ثلاثة أقوال:

  الأولَّ: أن الله سلبهم الدواعي الداعية إلى ذلك مع حصول الأسباب الداعيَّة إلى المعارضة من التحدي والتعجيز والتقريع والتطاول عليهم ونحو ذلك.

  الثاني: سلبهم العلوم التي يتمكنون بها من المعارضة.

  قالوا: والسلب يحتمل وجهين:

  أحدهما: أن علوم البلاغة كانت حاصلة لهم، ثُمَّ نزغت عنهم.

  ثانيهما: أنها لم تكن حاصلة لهم، بل العادة أنهم مع محاولة إيجاد الكلام البليغ يخلق الله لهم العلم بكيفية ذلك، فلما لم تستمر هذه العادة كان ذلك معجزاً خارقاً.

  القول الثالث للشريف المرتضى: أن الوجهين المذكورين كانا حاصلين لهم والمعتاد مع حصولهما التمكن من الإتيان بكلام يساوي القرآن في الفصاحة أو يقارب، ثُمَّ إن القوم لما حاولوا ذلك صرف الله عن قلوبهم تلك العلوم.

  والحجة لنا على صحة القول الأوَّل: أن الذي تعذر على أرباب اللسان هو إيجاد مثله في فصاحته ونظمه ومعانيه المستحسنة، التي لا يقوم غيره مقامَه في العذوبة وسلالة اللفظ ورائق المعنى، ثُمَّ إن المخالف إمَّا أن ينكر الطرف الأوَّل أو الثاني.

  إن أنكر الطرف الأوَّل: وهو البلاغة أكذبته الصورة، لكن ذلك لم يثبت عن أحدٍ، وإن اعترف به لكنه أنكر كونها خارجة عن المعتاد، فهذا قول أهل الإخبار بالغيب، وكون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وعدم التناقض والاختلاف وأهل الصرفة فنقول:

  لو كان وجه الإعجاز الإخبار بالغيب لتحداهم النبي ÷ بذلك، واللازم منتفٍ، إذ لم يتحداهم إلا بالفصاحة.

  وكذلك لو كان وجه الإعجاز كون قارئه لا يكل ... الخ، لكانت الصلاة معجزة؛ لأنها لا تمل بل تكرر في اليوم والليلة خمس مرات.

  وأيضاً لا يسلم أنه لا يمل، بل قد يحصل الملل العظيم إلا لمن يرجو ثواب الآخرة.

  ولو كان وجه الإعجاز سلامته عن التناقص والاختلاف: لكان كلام أحدنا معجزاً، لا أنه قد لا يتناقص ولا يتدافع، واللازم باطل.