فصل: في بيان معنى المحكم والمتشابه وما يتعلق بهما
  الأظهر إشارة إلى ما يؤخذ من قول الإمام أن المحكم ما دل على معناه بظاهره، والمتشابه مقابلة؛ لأن اللفظ ليس ظاهر في المعنى المجازي.
  (و) إذا عرفت المحكم بأي معنى فسر مما تقدم، فنقول: (المتشابه خلافه)(١):
  فعلى الأول: ما خفي معناه، وذلك إما لاشتراك نحو {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨]، والإجمال: ونعني به غير الناشيء من الاشتراك اللفظي نحو {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة: ٦٧]، أو لأن ظاهره التشبيه كاليد والوجه والعين والقدم والسمع والبصر والمجيء وجواز الرؤية وأمثال ذلك مما دل الكلام على ثبوته لله تعالى مع القطع بانتفاء معانيها الظاهرة على الله لتنزهه عن الجسمية والجهة والمكان.
  وعلى الثاني: ما كان يحتمل أكثر من معنى.
  وعلى الثالث: ما ليس إلى معرفته سبيل.
  وعلى الرابع: ما لم يعلم المراد بظاهره مما ذكر.
  وعلى الخامس: ما عدا آيات الحلال والحرام، وهي آيات القصص والأمثال ونحوها، وعلى كلام المؤلف لا واسطة بين المحكم والمتشابه.
  وقد قال المهدي #: المجمل عندنا لا يوصف بأنه محكم؛ لأنه لا يعلم الغرض به فيعلم مطابقته لمقتضى العقل، ولا متشابه لذلك، وعند ابن الحاجب أنه من المتشابه، وليس بصحيح، لقوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}[آل عمران: ٧]، وذلك يقتضي أن للمتشابه ظاهراً يتبعه السامع، والمجمل لا ظاهر له متبع فلا تشابه.
  وإنما سمي متشابهاً: لأن ظاهر شأنه الحق لصدوره من عدل حكيم، وشبه الباطل لمخالفته ما قضى به العقل، فأشبه ظاهر الحق والباطل، فسمي متشابهاً.
  (وقيل: بل) المتشابه (آيات مخصوصة، ثُمَّ اختلفوا) في تعيينها:
(١) وقد جنح محققون إلى أن المتشابه قسمان: قسم يمكن رده إلى المحكم، نحو {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، يرد إلى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦٤}، وقسم لا يمكن رده إلى غيره، ولا طريق إلا الإيمان به جملة، ورد علمه إلى الله سبحانه، كأوائل السور، واختصاص كل سورة بفاتحتها من الحروف المقطعة، حتى قال أبو السعود قدس سره: إن ذلك ما لا سبيل إلى المطالبة بوجهه، والله أعلم. تمت من حاشية على النسخة (أ).