الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان معنى المحكم والمتشابه وما يتعلق بهما

صفحة 328 - الجزء 1

  (فقيل: الحروف المقطعة في أوائل السور) مثل: ال - م، كهيعص، الم - ص، وسميت بذلك لأنها أسماء لحروف يجب أن يقطع في التكلم كل منها عن الآخر على هيئته، وتسميتها بالحروف المقطعات مجاز؛ لأن مدلولاتها حروف، أو لأن الحروف تطلق على الكلمة.

  (وقيل: بل) المتشابه (آيات السعادة أو الشقاوة) مثل قوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦}⁣[هود: ١٠٦]، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ١٠٨}⁣[هود: ١٠٨]، الآية.

  (وقيل: الناسخ والمنسوخ، وقيل: الأوامر والنواهي، وقيل: القصص والأمثال) وقيل: لأن المحكم ما أفاد حكماً ولا حكم في القصص والأمثال.

  واعلم أن المجبرة والملحدة أوردوا سؤالاً فقالوا: كتاب الله عندكم مشتمل على المحكم والمتشابه، فلو كان صانع العالم تعالى عدلاً لما أورد فيه المتشابه؛ لأنه يكون كالتعمية على العباد، ثُمَّ افترقوا فقالت الملحدة: ليس إلا أنه لا صانع للعالم، وقالت المجبرة فليس إلا أنَّه يصدر عنه القبيح.

  وأجاب أئمتنا وشيوخنا: بأن (وروده في الكتاب لفوائد كثيرة):

  ١ - منها: الحث على النظر وترك التقليد؛ إذ لو ورد كله محكماً لم يحتج إلى كلفة النظر.

  ٢ - ومنها: زيادة الثواب بمشقة النظر.

  ٣ - ومنها ليكون العارف بمعناه بعد نظره فيه أحفظ وأضبط؛ لأن ما حصل بمشقة فالنفس أحرص عليه مما لو لم يحصل بمشقة.

  ٤ - ومنها إرادة إصغاء الكفار إلى سماعه حتَّى يحصل لهم البيان، وتلزمهم الحجَّة لله تعالى لأنهم لما أنزل المحكم أعرضوا عن سماعه كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ٢٦}⁣[فصلت: ٢٦]، فأنزل المتشابه فعند ذلك أصغوا إلى سماعه طلباً للطعن فيه، فلم يجدوا ذلك فلزمتهم الحجَّة عند ذلك.

  [٥] ومنها أنه تعالى أنزل كتابه على أعلى درجات البلاغة والمجاز رأسها وأساسها، وقد يكون متشابهاً حيث لا يكون قرينة ضرورية أو جلية كما قدمنا.