فصل: [في معرفة معنى المتشابه]
  وأخرج ابن مردويه بسند فيه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله ÷ أنه قال «إن القرآن لم ينزل لتكذيب بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه فآمنوا به».
  وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب أنه قال: سيأتيكم أناس يجادلونكم بمتشابهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى.
  وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعاً «أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يفسره العرب، وتفسير يفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذبٌ»، ثُمَّ أخرجه من وجه آخر عنه موقوفاً بنحوه.
  واحتج الإمام يحيى لهذا المذهب بأن أمَّا للتفصيل على بابها، والتقدير وأمَّا الراسخون بدليل قوله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}[آل عمران: ٧]، كما نقول: أما زيد فقائم وعمر جاهل، أي وأمَّا عمر فجاهل، قال يوضحه أن المخالف مُسلم أن هذا هو الظاهر منها، لكنه يقول: إنه يجب تأويلها على أن المراد بهم بابتغاء تأويله الباطل، فيقيد إطلاق الآية بغير حجَّة، ويجعلها من المتشابه، مع أنَّها الفارقة بين المحكم والمتشابه، وهذا هو خلف.
  ويعضد قوله ما ذكره في الإتقان، ولفظه: ويعضد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم؛ لأنه تعالى فرق بأجمع في معنى الكتاب بأن قال {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧]، وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء، فقال أولاً {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}[آل عمران: ٧]، إلى أن قال {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}[آل عمران: ٧] وكان يمكن أن يقال: وأمَّا الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم، لكنه وضع موضع ذلك الراسخون في العلم لإتقان لفظ الرسوخ؛ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع التام والإجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق، وكفى بدعاء الراسخون في العلم {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ٨}[آل عمران: ٨]، شاهد على أن الراسخين في العلم مقابل لقوله: {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، وقد عرفت المأخذ فعليك باعتماد الأرجح.
  وقال (الهادي) إلى الحق: (يعلمون منه ما يتعلق بالتكليف، دون غيره)، وذلك (كحم عسق)، قيل: وهو القول الذي يقضي به كلام أمير المؤمنين في النهج: (بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسع على العباد في جهله)، وفسر الإمام الثاني بما لا يتعلق بمصلحة التكليف نحو العلم بفواتح