فصل: [في معرفة معنى المتشابه]
  السور، وتحقيق أسرارها، والمراد بها، ونحو العلم بسير النيرين وقطعهما الفلك، ونحو ذلك مما لا يجب علينا علمه، ولا يتوجه علينا فيه تكليف ... الخ.
  ويقابل أن نقول كلام أمير المؤمنين إنما يدل على أنه لا يجب معرفة ما هذا حاله وموسع على العباد في جهله، لا على أنه لا يعرف.
  وينصر قول الهادي #: ما أخرجه ابن المنذر وغيره: عن الشعبي(١): أنه سئل عن فواتح السور فقال: إن لكل كتاب سراً، وإن سر هذا القرآن فواتح السور.
  ويشبه كلام الهادي # ما قاله الخطابي: المتشابه على ضربين:
  أحدهما: ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف معناه.
  والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ، فيطلبون تأويله ولا يتلقون كنهه فيرتابون فيه فيفتتنون، وهذا كلام طويل، ومباحث شريفة، وتفصيل وتحقيق لابن الراغب(٢) وغيره، أورده في الإتقان(٣).
  وقال (القاسم) بن إبراهيم: يعلمون منه ما يتعلق بالتكليف دون غيره (وقد يطلع الله عليه بعض أصفيائه) وهذا يقتضي أنه لا يعرفه إلا الخواص، وقد يقال بعض الأصفياء هم الراسخون، فإذاً لا يكون قولاً منفرداً.
  وقالت (الإماميَّة): المتشابه (لا يعلمه إلا الإمام) أي أحد أئمتهم الاثني عشر لتفسيرهم الراسخين بالأئمة، فإذاً قولهم هو القول الأوَّل، لكن يرجع النزاع إلى تفسير الراسخين منهم، (كالمحكم) فإنه لا يعلمه إلا الإمام، ولا توجد الأحكام عندهم إلا من الإمام.
  وفي الحواشي: احتج المؤيد بالله على من ادعى أنه لا يعلمه إلا الأئمة بأنه لا يخلوا من ثلاثة أقسام:
(١) هو عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو، ثقة مشهور، من علماء وفقهاء التابعين المشهورين، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين عاماً.
(٢) الراغب الأصبهاني، هو: الحسين بن محمد بن المفضل الأصبهاني، الملقب بالراغب، العلامة الباعر، والمحقق الماهر، له تصانيف، كان من أذكياء المتكلمين، توفي سنة (٥٠٢) هـ.
(٣) انظر الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين السيوطي، النوع الثالث والأربعون، في المحكم والمتشابه، صـ (٤٧٥ - ٥٠١)، طبعة دار الكتاب العربي.