فصل: [في معرفة معنى المتشابه]
  إمَّا أن يكون الطريق إلى معرفة تفسيره العقل: فالرجوع إلى العلماء جائز.
  وإن كان الطريق إليه من النبي صلى الله عليه فالطريق إلى النقل جائز بل يجوز أن يكون لسائر العلماء كلام في اللغة ليس للأئمة.
  (و) لما جرى ذلك الراسخ والخلاف في علمه لتأويل المتشابه احتاج إلى تبيينه، فقال:
  (والراسخ المجتهد الثابت العقيدة) الذي عض في العلم بضرس قاطع.
  (ويمتنع على القول الأّول) وهو القول بأن المتشابه يعلمه الراسخون (جهل كل الراسخين لمخالفته لخبره تعالى) إذ قد أخبر أنه يعلمه هو والراسخون، (لا بعضهم) إذ لم يدل قاطع على امتناع جهل البعض، وإنما دل الدليل على أن جملتهم يعلمونه، لكن أنت خبير مما سبق بأن دلالة العموم كلية، فيقتضي ألاَّ يجهله منهم أحد، وعلى فرضٍ أن علم البعض يكفي ويخرج الخطاب بذلك عن العبث فيجوز أن يكون ذلك البعض هو رسول الله ÷، أو من شاء الله من ملائكته، وخواص عباده.
  (وعلى القول الثاني) وهو القول بأنه لا يعلمه الراسخون (ينقسم الكتاب إلى: ما يراد فهمه على سبيل التفصيل وهو المحكم، و) إلى ما يراد فهمه (على جهة الإجمال وهو المتشابه) بمعنى أنه يلزم المعرفة بأنه من عند الله، وأن لله فيه حكمة، وإن لم يعرف معناه، كما جاء في الأحاديث المارة، كما أخرجه الحاكم عن ابن مسعود عن النبي ÷ قال «كان الكتاب الأول ينزل من بابٍ واحد على حرف واحد، وينزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وأمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا»، وأخرج البيهقي نحوه في الشعب من حديث أبي هريرة.
  وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به، وهو من عند الله كله.
  وقال القاسم # بعد ذكره للقول الأول في تفسيره: وفيه قول آخر وهو أن محكماته التي لا تشتبه كقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى: ١١]، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}[الأنعام: ١٠٣]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}[يونس: ٤٤]، وأما المتشابه فلا يكون أبداً إلا متشابهاً كما جعله رب الأرباب، فلا يحيط غيره