فصل: [في معرفة معنى المتشابه]
  (دراية) أي فمهاً، بمعنى التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمعتضد من قوة الشرع، وهذا هو الذي دعا به النبي ÷ لابن عباسٍ حيث قال «اللهم فهمه في الدين، وعلمه التأويل»، والذي عناه أمير المؤمنين بقوله: (إلا فهماً يؤتاه الرجل في القرآن)، ومن هنا اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كل برأيه على منتهى نظره.
  ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والإجتهاد من غير أصل، قال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الاسراء: ٣٦]، وأن تقولوا ليبين للناس، أضاف البيان إليه، وعليه يحمل قوله ÷ «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، «ومن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»، أخرجه أبو داود، قصد من غير دليل قام عليه، وأما الذي شيده برهان فالقول به جائز، وهنا كلام طويل في المطولات.
  وقوله: (ورواية) معنى عن النبي ÷.
  (فالدراية أعلاها تفسير الكتاب بالكتاب) كقوله تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ١٩ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ٢٠ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ٢١}[المعارج]، فإنه سأل محمد بن طاهر أحمد بن يحيى ¥: ما الهلع؟ فقال: قد فسره الله ø، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره.
  ومنه حمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، وقد جمع من هذا القبيل تفسير مفرد من تفسير الكتاب بالكتاب.
  قوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}[الصافات: ٩٦]، فإن المراد المعمول لا العمل، بدليل قوله تعالى في الفرقان {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الفرقان: ٣]، وقوله تعالى في النحل {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ٢٠}[النحل: ٢٠]، قبل هذه الآية {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٩٥}[الصافات: ٩٥].
  قيل: ولعل من ذلك تفسير قوله تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[الجن: ١٦ - ١٧]، وأن المراد الفتنة التي هي الابتلاء والإمتحان، لا الفتنة التي هي الإضلال، بدليل قوله تعالى {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ٨٥}[طه: ٨٥]، فنسب الفتنة إليه، والإضلال إلى السامري، وهذا القبيل كثير.