الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في شروط الإستدلال بالأدلة

صفحة 343 - الجزء 1

فصل: في شروط الإستدلال بالأدلة

  قال: (أئمتنا والمعتزلة: وشروط الإستدلال بخطابه تعالى) ثلاثة:

  الأوَّل: (علم المستدل أنه لا يجوز أن يخاطب بما لا يريد به معنى البتة، كما قالت الحشوية في فواتح السور) المتقدمة، لا مالم يكن أولها حروف فإنهم يوافقوننا فيه نحو {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}⁣[الملك: ١]، و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}⁣[لأنفال: ٦٤]، و {سَبَّحَ لِلَّهِ}⁣[الحديد: ١]، ونحو ذلك، وإنما اشترطنا ذلك لأنا لو جوزناه لامتنع الإستدلال بالخطاب؛ إذ ما من خطاب إلا ويجوز أن يكون مما لا معنى له.

  (و) الثاني: علمه أنه (لا) يجوز أن يخاطبنا الله (على وجه يقبح، كالإخبار بالكذب، والأمر بالقبيح، والنهي عن الحسن)، لأن تجويز ذلك يسد علينا الثقة بخطابه تعالى.

  (و) الثالث: علم المستدل أنه (لا) يجوز أن يخاطبنا (بما يريد به خلاف ظاهره من غير بيان، كما تقول المرجئة في آي الوعيد) قال القاضي عبد الله: وذلك أنهم يجوزون شروطاً مستثناة في آي الوعيد مضمرة لا دلالة عليها، نحو قوله تعالى {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤}⁣[الانفطار: ١٤]، قالوا: إن المعنى إن أراد الله عذابهم، أو إلا أن يعفو عنهم، أو إن كانوا كفار، وكذلك صنعهم في كل آيات الوعيد.

  ونحن ندفع الذي قالوه: بأن ذلك يلزم مثله في الأمر والنهي والوعد، ونقول: يلزمكم في أقيموا المراد بذلك إن اخترتم، أو إن لا يشغلكم بها أرب.

  وإنما اشترطنا ذلك لأن تجويزه يؤدي إلى الانسلاخ من الدين - أعني القول بتجويز أنا غير مكلفين بما أمرنا به ونهينا عنه، وأنا على غير ثقة مما وعدنا به من الجنة -.

  قال الآسنوي: المرجئة يقولون: إنه تعالى لا يعاقب أحداً من المسلمين، ولا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

  قالوا: وأما الآيات والأخبار الدالة على العقاب فليس المراد ظاهرها، بل المراد بها التخويف، وفائدته الإحجام عن المعاصي.

  وأجاب المصنف - يعني صاحب المنهاج -: وهو أن فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن أقوال الله وأقوال رسول الله ÷؛ إذ ما من خطاب إلا ويحتمل أن يراد به غير ظاهره، والإحجام إنما يكون عند العقاب ولا عقاب.