فصل: في شروط الإستدلال بالأدلة
  الأول: (كون من أُقِرَّ ممن يعتزي إلى الملة) وينتحل الدين.
  (و) الثاني: (وقوع ما قرره بعلمه ÷) سواء كان بحضرته أو غيرها؛ إذ لو لم يكن بعلمه لم يكن فيه حجَّة.
  (و) الثالث: (أن لا ينكره أحد) فإن أنكره أحد لم يكن حجة؛ لئن المقر حينئذٍ الإنكار لا السكوت، ولا بد من أن يكون (مع علمه) بإنكاره، فأمَّا إذا أنكر عليه ولم يعلم فلا حجَّة.
  ولا بد أن يزاد على هذا الشروط أن لا يكون عرف منه صلى الله عليه النهي عن ذلك، أو الأمر به من قبل، وهذه الشرائط في التقرير على الأمور الدينية.
  وأمَّا الدنيوية فإن كانت قولاً كأن نقول: زيد في الدار، وأكلت أمس كذا، فإن ادعى على النبي صلى الله عليه العلم بذلك كان التقرير دالاً على صدقه، وإن لم يدع العلم لم يدل ذلك؛ إذ هو # غير محيط علمه بالأمور جميعاً، وإن كان فعلاً أو تركاً فإن تقريره يدل على حسن ذلك الفعل، وعلى أنه غير واجب في الترك؛ إذ لو كان قبيحاً لأنكر فعله، أو واجب لنهى عنه.
  (وشروط الإستدلال بالإجماع) ثلاثة:
  الأول: (معرفة شروط الإستدلال بالخطاب)؛ لأن الإجماع لما كان مستنداً لا محالة إلى الخطاب في كونه حجة قائمة، فلهذا لم يكن بد من احرازه لشرائط الخطاب، وفيه سؤال وهو ما قدمنا في الأفعال؛ لأن هذا شرط فيما دل على أن الإجماع حجَّة، وهي آية المشاقة ونحوها، وكلامنا في الإجماع بعد ثبوت كونه حجّة.
  (و) الثاني: (معرفة مستند الإجماع من دلالة) أي ما يفيد العلم، (وأمارة) أي ما يفيد الظن؛ إذ لا بد للإجماع من مستند.
  قلت: وفي هذا نظر؛ لقول القاضي عبد الله بن حسن لما قال صاحب الجوهرة: وأن يعلم كيفية الإجماع بماذا يعني هل أجمعوا على ذلك قولاً أو فعلاً أو سكوتاً، أو القائل أو الفاعل هم، أو قال بعضهم وفعل بعضهم، ونحو ذلك؛ لأن الإجماع يختلف كيفية الإستدلال به بحسب وقوعه على هذه الوجوه على ما سيأتي.
  قال: وليس مراده بعلم الإجماع بماذا العلم بدليلهم على ذلك، فليس علينا تكليف في ذلك؛ إذ إجماعهم كافٍ لنا في الحجة، فيوهم المؤلف أن مراد صاحب الجوهرة هذا، فوقع في الغلط وترك ما هو شرط وما ليس شرط.
  (و) الثالث: معرفة (كيفية نقله من تواتر، أو تلق بالقبول في) الحكم (القطعي) وينافي المتلقى بالقبول على ما سيأتي إنشاء الله تعالى من إثماره القطع، (أو) معرفة كيفية نقله من (آحاد في) الحكم (الظني).
  (وشروط الإستدلال بالقياس) ثلاثة:
  الأول: (شروط الإستدلال بالخطاب) لأن القياس ليس دليلاً بنفسه، وإنما يكون دليلاً بغيره، وفيه ما تقدم؛ لأن هذا الشرط شرط فيما دل على أن القياس حجَّة، وهو نحو قوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ٢}[الحشر: ٢]، وقوله ÷ لمعاذ، وكلامنا في القياس بعد ثبوت كونه حجَّة.
  (و) الثاني: (شروط أركانه الأربعة) الأصل والفرع والعلة والحكم على ما سيأتي إنشاء الله تعالى.
  قال القاضي عبد الله: وليس المراد أن يعلم كون تلك الأمور شروطاً بل يكفي العلم بوجودها لا بحكمها.
  (و) الثالث: (أن لا يكون على الحكم دليل غيره إلاَّ للتقوية) والتأييد لدليل الحكم لا إثبات أصل الحكم؛ إذ لو كان على الحكم دليل غيره فلا معنى للعدول عن الأقوى إلى الأضعف.