الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في معنى لفظة أمر]

صفحة 351 - الجزء 1

  فإن قلت: سمعت أمر فلان، فُهِمَ أنه القول، وإن قلت: جاء فلان لأمرٍ، فُهِمَ أنه جاء لغرضٍ، وإن قيل: احترك الجسم لأمر، فهم أنه لابد من شيء يفعل التحرك به، وإن قيل: أمر فلان مستقيم، فالمراد به شأنه وطريقته.

  قلنا: لم يتجاوز هذا الدليل دائرة الدعوى فمن حقك أيها المستدل إن أردت تصحيح ما ذكرت أن تنقل عن أهل اللغة أنهم قالوا: إنَّ لفظ الأمر مشترك بين هذه المعاني، أو أن الفهم يبقى متردداً بينهما، وأما غير أهل اللغة فلا يعول على ما يسبق إلى أفهامهم؛ لأن كلامنا بالنظر إلى أهل اللغة.

  وقال (المنصور) بالله: (والحفيد: كذلك) أي مشترك بينها (إلا في جهة التأثير) لأن أهل اللغة لم يعقلوا هذه الجهة للتأثير التي ذكرها المتكلمون فيضعوا لها عبارة، ونظر بأنه ليس المراد بما ذكرتم من جهة التأثير المعنى الذي يذكره المتكلمون، وإنما قصد أنه لا بد من أمر لأجله تحرك الجسم كائناً ما كان من فاعل، أو معنى، أو صفة أو غير ذلك، فلا بد من أمر جملة؛ إذ لولا الأمر لم يحترك الجسم، وهذا أمر يعقله أهل اللغة، بل لا يعزب أنه يعلم بالضرورة، واحتجاجِه على الاشتراك بين الثلاثة كالأوَّلين، والرد واحد.

  وقال (بعض الشافعيَّة: مشترك بين الصيغة والفعل) لقوله تعالى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ٩٧}⁣[هود: ٩٧]، وقوله {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ}⁣[القمر: ٥٠]، أي ما فعلنا إلا كلمة واحدة سريعة التكوين، أراد قوله: كن يعني بأنه إذا أراد تكوين شيء لم يلبث كونه، والأصل الحقيقة.

  قلنا: لا نسلم ما ذكروه، بل المراد بأمر فرعون الأمر الذي هو القول بدليل قوله تعالى {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ}⁣[هود: ٩٧]، والاتباع يكون في القول أغلب، ولقوله {وَمَا أَمْرُنَا}⁣[القمر: ٥٠]، أي شأننا أطلق على الشأن مجازاً، وهو أولى من الاشتراك، ووجه المجاز أن الشأن أعم من القول والفعل، فالتعبير عنه بالقول من باب إطلاق اسم الخاص واردة العام.

  وقال (الآمدي: متواطئ فيهما) أي في الصيغة والفعل (لاشتراكهما في معنى يشملهما) كشمول الإنسان للحيوان والفرس، (و) ذلك المعنى (هو كونهما شيئاً أو موجوداً) فإن كلاً من الشيئية والوجود شامل لكل منهما وهما فردان له، وهذا معنى المتواطئ منهما، ويرد عليه أنه حينئذ لا يكون للقدر المشترك بينهما خاصّة، ويلزم ارتفاع الاشتراك اللفظي والمجاز؛ إذ ما من شيئين إلا وهما مشتركان في أمرٍ عام، (أو) كونهما أي القول والفعل (فعلاً إذ هو) أي الفعل يطلق على كل منهما؛ إذ هو (أعم