الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  وقال (على جهة الاستعلاء) يحترز به من الدعاء في قولهم: اللهم اغفر وارحم، فإن هذا وإن كان طلباً للفعل على جهة الإنشاء، لكنه لا يكون أمراً لما كان وارداً على جهة الخضوع دون الاستعلاء، وقال: والتحتم ليخرج البدر.
  واعلم أنه اختلف هل يعتبر العلو والاستعلاء أو لا يعتبران أو أحدهما على أقوال:
  فقال (جمهور الأشعريَّة: ولا يعتبر فيه علو) وهو أن يكون الطالب أعلى مرتبة، فإن كان مساوياً فهو التماس، وإن دونه فهو سؤال، (ولا استعلاء) وهو الطلب لا على وجه التذلل بل بغلظة ورفع الصوت، وحاصله أن العلو هيئة في المتكلم والاستعلاء هيئة في الكلام.
  (وقيل: يعتبران) أي العلو والاستعلاء والإطلاق الأمر دونهما مجازي.
  وقال (جمهور المعتزلة و) أبو إسحاق (الشيرازي وابن الضباع والسمعاني: يعتبر العلو) دون الاستعلاء.
  وقال (أئمتنا وأبو الحسين والمتأخرون) وإنما (يعتبر الاستعلاء لا العلو).
  لنا: أن من قال لغيره افعل لا على سبيل التذلل له أنه يقال له: أمر وإن كان دون رتبة، ولهذا يصفون من هذا حاله بالجهل والحمق من حيث أمر من هو أعلا رتبة منه، ولذلك لام عمرو بن العاص على ترك أمره معاوية مع أن معاوية أعلى منه إلى أن عمراً أورده على سبيل الاستعلاء، فقال:
  أمرتك أمراً جازماً فعصيتني ... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
  يريد عبد الله بن هاشم المرقال.
  وقال حسان بن المنذر يخاطب يزيد بن المهلب أمير خراسان:
  أمرتك أمراً جازماً فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الأمارة نادماً
  احتج الأشعريون: بقوله تعالى حكاية عن فرعون لقومه: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ١١٠} فأطلق الأمر على ما يقولونَه عند المساوَاة، ومن المعلوم انتفاء العلو والاستعلاء فيه، أمّا العلو فواضح وأما الاستعلاء فلوقوعه في حال المساواة ولاعتقادهم الإلهيَّة في فرعون.
  قلنا: هذا يدل على أن الأمر في تلك اللغة لا يشترك فيه علو ولا استعلاء، ومثله قوله:
  أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستنيبوا النصح إلا ضحى الغد
  أي أشرت عليهم برأيي فلم يعلموا إصابته إلا ضحى الغد.