الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  ولنا على أنه في الشرع لذلك: أنه قد نقل إلينا نقلاً متواتراً أو مستفيضاً احتجاج الصحابة بظواهر صيغ الأوامر مطلقة ومجردة عن القرائن، وقد تكرر ذلك وشاع وذاع ولم ينكر عليهم أحد، وإلا لنقل وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح.
  لا يقال: لعل الإستدلال بالوجوب كان بغيرها، وأيضاً لعلها أوامر مخصوصة علموا كونها للوجوب، وأيضاً فقد جعلوا كثيراً من الأوامر دليلاً على الندب دون الوجوب، فلا يكون ذلك مؤذناً بالمطلوب.
  لأنا نقول: إنا نعلم قطعاً أن الإستدلال كان بها لظهورها في الوجوب لا لخصوصياتها، وإنما يذكر الندب عند ظهور قرائن عدم الوجوب.
  ولا يقال: إنما يثمر الظن وهو لا يجدي في الأصول.
  لأنا نمنع كونه إنَّما يثمر الظنَّ، وإن سلم فيكفي الظهور ونقل الآحاد في مدلولات الألفاظ، وإلا لتعذر العمل بأكثر الظواهر؛ إذ المقدور فيها إنما يحصل الظن بها، وأمَّا القطع فلا سبيل إليه البتة.
  ولنا أيضاً: قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}[لأعراف: ١٢]، والمراد به اسجدوا في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}[البقرة: ٣٤]، فإن هذا السؤال في معرض الإنكار والاعتراض، ولولا أن صيغة اسجدوا للوجوب لما كان متوجهاً، وكان له أن يقول: إنك ما ألزمتني فعلى ما اللَّوم والإنكار.
  ولنا أيضاً: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨}[المرسلات: ٤٨]، فإنه ذم على مخالفتهم للأمر وهو مقتضى الوجوب.
  ولنا أيضاً: أن تارك المأمور عاصٍ، وكل عاصٍ فهو متوعد، وهو دليل الوجوب.
  أمّا الأول: فلقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}[طه: ٩٣]، أي تركت مقتضاه إجماعاً.
  وأمَّا الثاني: فلقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}[الجن: ٢٣].
  وأما الثالث: وهو أنه يكون تارك المأمور به متوعداً، فبَيِّنٌ؛ إذ لا يتوعد على ترك غير الواجب اتفاقاً، والأدلة في هذا المقام كثيرة اضربنا عنها اختصاراً.
  أبو طالب: احتج على أنه يدل عليه من جهة الشرع بحجتنا.
  وأمَّا أنه لا يدل عليه عقلاً: فيمكن أن يقال كما أنه ليس لجواز تركه لفظ، ليس للمنع من تركه لفظ، فلا يجب المنع من تركه.