الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  وأمَّا أنه لا يدل عليه لغةً: فقال # في المجزي: الذي يدل عليه ما ذكره أهل اللغة في حقيقة الأمر أنها قولُ القائل: افعل لمن هو دونَه، وحقيقة الدعاء: هي قوله افعل لمن فوقه، فلم يفصلوا بينهما إلا بأمرٍ خارج عنهما، وهو اختلاف رتبة المخاطب، فدل ذلك على أن اللفظين لا فرق بينهما في الفائدة، وإنما يفيده ظاهر أحدهما والذي يفيده ظاهر الأمر.
  قال #: ويدل على ذلك أيضاً أنه لا فصل: بين قول القائل لمن هو دونه افعل كذا، وبين قوله أريد أن يفعل كذا.
  القائلون بأنه يدل عليه عقلاً قالوا: قول القائل (إفعل) مثلاً يقتضي إيقاع الفعل وليس لجواز تركه لفظ فيجب المنع من تركه، وإذا لم يجز تركه فقد وجب.
  القائلون بأنه للندب، قالوا: قال ÷ «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، فرده إلى مشيئتنا، وهو معنى الندب.
  قلنا: بل رده إلى استطاعتنا وهو معنى الوجوب.
  القائلون بأنه مشترك بينهما قالوا: ثبت الإطلاق عليهما، والأصل في الإطلاق الحقيقة فيكون حقيقة فيهما.
  قلنا: المجاز أولى من الاشتراك كما تقدم.
  القائلون بأنه لمطلق الطلب، قالوا: ثبت الرجحان بالضرورة من اللغة، وجعله لأحدهما بخصوصه تقييد من غير دليل فلا يصار إليه، فوجب جعله للقدر المشترك بينهما دفعاً للاشتراك والمجاز.
  قلنا: لا، ثم أن جعله لأحدهما تقييد بلا دليل، بل ثبت بأدلتنا على الوجوب.
  وأيضاً: فهو إثبات اللغة بلوازم الماهيَّات، وذلك أنكم جعلتم الرجحان لازماً للوجوب والندب فجعلتم باعتباره صيغة الأمر لهما وذلك باطل؛ لأن طريق معرفة الوضع إنما هو النقل بطريق التنصيص، أو تتبع موارد الاستعمال.
  القائلون بالوقف قالوا: لو ثبت لثبت بدليل واللازم منتف، لأن الدليل: إما العقل ولا مدخل له، وإما النقل وهو إمَّا الآحاد ولا يفيد العلم، أو التواتر وهو يوجب استواء طبقات الباحثين فيه، فكان لا يختلف فيه؛ لأن العادة تقضي بامتناع أن لا يطلع على التواتر من يبحث ويجتهد في الطلب.