فصل: في بيان الخلاف في أن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الإيمان أو لا؟
  ولنا: قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ٦ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت: ٦ - ٧]، فتوعد على عدم إيتائها، وقوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦٨}[الفرقان: ٦٨]، وهو عام للعقلاء، والإشارة إلى ما سبق من الشرك، وقتل النفس والزنا؛ لأن جعله إشارة إلى آخرها كالشرك مثلاً عدول عن الظاهر، وفيه دلالة على حرمة الكل؛ إذ لا معنى لضم غير الحرام إلى الحرام في استحقاق العذاب، وكذا قوله تعالى حكاية عن المشركين {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣}[المدثر]، صرح بتعذيبهم على ترك الصلاة؛ ولئن في تقرير الحكاية وعدم الإنكار تصديقاً لهم، ولا يجوز أن يراد بالمصلين المسلمون، كقوله ÷ «نهيت عن قتل المصلين»، لفوات المناسبة في قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤}[المدثر: ٤٤]، إذ هو عبارة عن الزكاة؛ لأنه الإطعام الواجب، فيحمل على أن المراد فاعلوا الصلاة لتجاذب طرفا النظم، وهو اللائق بالفصاحة الواجبة رعايتها في القرآن.
  سلمنا أنه مستقيم ذلك التأويل في الصلاة فأنا لكم مثله في قرينتها وهي الزكاة.
  قالوا: لو وقع لوجب القضاء.
  قلنا: إنما لم يجب لأنه إنما يلزم بأمرٍ جديد.
  قالوا: لو صح التكليف بها مع الكفر لأمكن الامتثال؛ لأن الإمكان شرط في التكليف كما تقدم، مع أنه لا يمكن الامتثال؛ لأن الامتثال إمَّا في حال الكفر وهو لا يمكن منه، وإمَّا بعده ولا يمكن لسقوط الأمر عنه، والامتثال فرعه.
  قلنا: هو في الكفر ممكن بأن يسلم ويفعل كالمحدث، وذلك لأن الكفر الذي لأجله امتناع الامتثال ليس يمتنع عليه إزالته، فكيف يمتنع الامتثال التابع له؟.
  الفارقون بين المرتد وغيره قالوا: صار المرتد ملتزماً أحكام الإسلام، ولهذا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة زمن ردته.
  قلنا: لا، ثم وجوب القضاء عليه، بل حكمه في قضاء الصلاة حكم الأصلي وأنها تسقط عنه بالإسلام فلا فرق.
  الفارقون بين النواهي والأوامر قالوا: سوغنا ذلك في النواهي (لإمكان الترك حال الكفر) يعنون أن النهي يقتضي ترك المنهي عنه، وتركه مع الكفر ممكن، بأن لا يقصد شيئاً البتة، كمن لم تطالبه نفسه