الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان الأمر إذا ورد بأشياء معينة على جهة التخيير وأحكام ذلك

صفحة 366 - الجزء 1

  (واختلف في) تعيين (الواجب المخير كالكفارات) الثلاث، وهي الإطعام والكسوة والإعتاق، وهو مستقيم وارد ولا نزاع فيه، وإنما النزاع في أنه ماذا يجب حينئذ:

  (فعند أئمتنا والمعتزلة وأقل الفقهاء) الشافعية والحنفية (أنها واجبة معاً) أي أن الواجب كل واحدة منها، لكنه (على التخيير)، وفسره أبو الحسين بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها، ولا يجب الإتيان به، وللمكلف أن يختار أياً ما كان.

  ولهذا قال أصحابنا: إنه تعالى يريد من المكلف الإتيان بها أجمع؛ إذ كلها طاعات وواجبات، ويكره تركها أجمع؛ لأن في ذلك الإخلال بالواجب، ويريد من المكلف فعل بعضها بعد فعل البعض لما ذكرناه، ولا يكره ترك بعضها بعد فعل البعض؛ لأنه لا يكره منَّا إلا القبيح أو الإخلال بالواجب الذي لم يسد غيره مسده، وهذا غير ثابتٍ فيما ترك بعد فعل بعضها.

  وعند (الأشعريَّة وأكثر الفقهاء) الحائدين عن الكروع من مناهل الأصول أنه ليس كذلك بل (الواجب منها واحد لا بعينه) من حيث هو أحدها ولا يجب غيره.

  قال بعض الأشعرية: فإن قيل الواحد الحقيقي هو الواحد لما هو واحد، إنما يتصور وجوده في الأذهان لا في الأعيان فيستحيل طلبه.

  قلنا: يستحيل طلبه دون الأفراد لا في ضمنها لجواز طلب المشترك في ضمن الأفراد⁣(⁣١).

  استدل أصحابنا: بأن النص وهو قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}⁣[المائدة: ٨٩]، دل على التشريك بين هذه الأمور، فثبت استواؤها في تعليق الأمر الذي هو موضوع للإيجاب بها، أو لفظ أو موضوع للتخيير، فبان أن لكل واحد منهما حظاً في الوجوب على البدل؛ إذ لا نعني بوجوبها على البدل إلا أنه تعالى أوجبها علينا بالأمر، وخيَّرنا في تأدية أيها شئنا، فيجب الحمل عليه؛ لأن الصرف عن المدلول إنما يكون عند امتناعه وليس بممتنع، والخصم لا يساعد إلى عدم امتناعه؛ لأنه المتنازع فيه، ويدعي دلالة ذلك النص على وجوب واحد من تلك الأمور ليس إلا، وبأنه قد ثبت أنه إذا فعل واحدة منها قامت مقام صاحبتها، فقد استوت في تعلق المصلحة بها، وإلا لكان تعالى قد ساوى بين ما يتضمن المصلحة وبين ما لا يتضمنها وهو لا يصح، فاستوت في الوجوب على التخيير.


(١) يعني أن مفهوم الواحد بأمر هو نفس الواحد، ومفهوم، وهو مفهوم الواحد، فإنه واحد بنفس مفهومه، بخلاف غيره من الوجدان، فإنها واحدة بمفهوم الواحد لا بنفسها، تمت من حاشية على النسخة (أ).